على ما في الزمان ، كما مرّ في المكان. والعقل كما يأبى عن إطلاق التقدّم المكانىّ على البارى تعالى ، كذلك يأبى عن إطلاق التقدّم الزمانىّ عليه ، بل ينبغى أنّ يقال : إنّ للبارى تعالى تقدّما خارجا عن القسمين وإن كان الوهم عاجزا عن توهّمه» نجزت عبارته.
وقال فيه أيضا ، حيث أورد صاحب «المحصل» عند نفى وجود الإضافات : إنّ كلّ حادث يحدث [١٨٠ ب] فإنّ الله تعالى يكون موجودا معه في ذلك الزمان. فلو كانت تلك المعيّة صفة وجوديّة ، لزم حدوث الصفة في ذات الله : «هم ـ أى الحكماء ـ يقولون : إنّ لله تعالى صفات إضافيّة ، كالأوّل والآخر والخالق والرازق والمبدع والصانع وغير ذلك ، ويلتزمون القول بهذه الصفات غير المعيّة الزمانيّة لله تعالى» هذه ألفاظه. (تلخيص المحصل ، ص ١٣٢).
وقد سبق عن «شرح حكمة الاشراق» أنّه يمتنع اتصاف المفارقات بالتقدّم الزمانىّ والمعيّة الزمانيّة. وقال شارح «حكمة الإشراق» في المقالة الخامسة من الفنّ الأوّل من الجملة الثانية في الفلسفة الأولى [١٨١ ظ] من كتاب «درّة التاج» (ص ٥٠٩) ما ترجمته هذه العبارة : «ليس أنّ كلّ شيئين ليس بينهما تقدّم وتأخّر زمانيّان يلزم أن يكونا معا المعية الزمانيّة ، إذ الأشياء التي وجودها ليس زمانيّا لا يعرضها التقدّم والتأخّر الزمانيّان ولا المعيّة الزمانيّة ، فإنّ كلّ شيئين هما معا بالزمان يجب أن يكونا زمانيّين ، كما أنّ الأمور التي ليست بمكانيّة لا يكون بينها تقدّم وتأخّر مكانيّان ولا معيّة مكانيّة».
[٣٠] استيثاق فيه ميثاق
أليس قد تحقق بهذا التحصيل والتفصيل : أنّ تقدّم البارى تعالى على كلّ جزء من أجزاء الزمان وكلّ واحد من الحوادث [١٨١ ب] الزمانيّة المقارنة لها تقدّم آخر خارج عن الأقسام الخمسة أدّت إليه الفلسفة وأذعنت به الفلاسفة. وكذلك معيّته تعالى بالنسبة إلى شيء من تلك الأمور. فاتّخذ ذلك ميثاقا لك عندهم لا ينسونه إلى أن نأتى بالنظر في ما يتشبثون به عند تهوّسهم بإثبات القدم.