هو عليه الآن ، وليس يستوجب ذلك تقدّرا في العدم الموهوم فوق سطحه المحدّد للجهات والأبعاد القارّة ؛ والزّمان لو ساغ مثل ذلك بالنّسبة إليه وجوّز أن يكون قبل خلق العالم خلق أيّ شيء كان لكان مبدأ استيجاب سبق الامتداد عليه واجبا ، وأن يكون العدم الصّريح المتوهّم قبله متقدّرا؟
فيقال لك : السّرّ في ذلك أنّه ليس فوق الجرم الأقصى شيء يتخلل بينهما بالفعل عدم مستمرّ وفضاء ممتدّ ، فيكون هناك بعد بالفعل ويكون لا محالة يفضل ويزيد على عضة موهومة منه ويتساوى أو يتفاوت شطران منه موهومان ، بل إنّما الجرم الأقصى بحسب نفسه يمكن له مقدار أزيد وإن كان يمتنع ذلك بحسب انتفاء بعد وجهة فوقه يتمادى وينبسط جرمه فيه.
وأمّا الزّمان بل العالم بجملته ، فإنّ الصّانع الحقّ موجود قبله. فإذا تخلل بينهما عدم موهوم الامتداد يصحّ أن يقع فيه وينطبق على شطر منه شيء ما يخلق فيوجد قبل العالم وبعد الصّانع ، زمانا كان أو غيره ، كان لا محالة هو أطول امتدادا من عضة موهومة منه ، وعضتان منه موهومتان غير عريّتين البتة إمّا عن المساواة أو عن المفاوتة. فكان بالضّرورة البتيّة متقدّرا متكمّما بالفعل مجرّدا عن محلّ يقوم فيه.
وهذا كما لو تخلّل بين جسمين خلأ وفضاء غير مشغول بامتداد جرمانىّ ، فإنّه يكون بينهما بعد بالضّرورة ، وإنّه مبدأ استيجاب أن يكون ذلك الخلأ والبعد بعينه امتدادا متقدرا متكمّما موجودا بالفعل غير قائم الذات والوجود في موضوع ومحلّ ، إذ هو لا محالة أزيد تماديا وأعظم انبساطا وأوغل في الانبساط ذهابا من نصفه الموهوم مثلا بتّة.
حكومة
(١١ ـ أقوال المتكلفين وقول الحكماء في النظام وأجزائه)
لن يجدى المتكلّفين ، في ما يتجشّمونه لتصحيح الحدوث وتسويغ التّخلّف ، قولهم :
إنّ الصّانع الحقّ لم يزل بإرادته القديمة الأزليّة علّة تامّة لوجود الحادث في حدّ وجوده في ما لا يزال من حدود الامتداد الموهوم إلى لا بداية في الآباد وإلى لا نهاية فى الآباد فإذن لا تخلّف إلّا على تقدير وجود المعلول في غير ذلك الحدّ بعيبه ؛ ولا قولهم : حدوث العالم في ذلك الحدّ بعينه من حدود ذلك الامتداد من مقتضيات