بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد كلّه لله ربّ العالمين ، وصلواته على سيّدنا محمد وآله الطاهرين.
كنت ذات يوم من ايّام شهرنا هذا ، وقد كان يوم الجمعة ، سادس عشر شهر رسول الله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، شعبان المكرّم ، لعام ثلاث وعشرين وألف من هجرته المقدّسة ، فى بعض خلواتى ، أذكر ربّى فى تضاعيف أذكارى وأورادى ، باسمه «الغنىّ» فأكرّز : «يا غنيّ يا مغني» مشدوها بذلك عن كلّ شيء إلّا عن التّوغّل فى حريم سرّه ، والانمحاء فى شعاع نوره. وكأنّ خاطفة قدسيّة قد ابتدرت إلى ، فاجتذبتنى من الوكر الجسمانيّ ، ففككت حلق شبكة الحسّ ، وحللت عقد حبالة الطّبيعة ، وأخذت أطير بجناح الرّوع فى جوّ ملكوت الحقيقة. وكأنّى قد خلعت بدنى ، ورفضت عدنى ، ومقوت خلدى ، ونضوت جسدى ، وطويت إقليم الزّمان ، وصرت إلى عالم الدّهر.
فإذا أنا بمصر الوجود بجماجم أمم النّظام الجملىّ من الإبداعيّات والتكوينيّات ، والإلهيّات والطبيعيّات ، والقدسيّات والهيولانيّات ، والدّهريّات والزّمانيّات ، وأقوام الكفر والإيمان ، وأرهاط الجاهليّة والإسلام ، من الدّارجين والدّرجات ، والغابرين والغابرات ، والسّافلين والسّالفات ، والعاقبين والعاقبات ، فى الآزال والآباد ، وبالجملة ، آحاد ومجامع الإمكان ، وذوات عوالم الأكوان ، بقضّها وقضيضها ، وصغيرها وكبيرها ، بأثباتها وبأبئادها ، حاليّاتها وإنيّاتها.
وإذ الجميع زفّة زفّة ، وزمرة زمرة ، بحزبهم قاطعة معا ، مولّون وجوه ماهيّاتهم شطر بابه ، سبحانه ، شاخصون بأبصار إنّياتهم تلقاء جنابه ، جلّ سلطانه ، من حيث هم يعلمون ، وهم جميعا بألسنة فقر ذواتهم الفاقرة ، وألسن فاقة هويّاتهم الهالكة ، فى ضجيج الضّراعة وصراخ الابتهال ذاكروه وراجوه ومستصرخوه ومنادوه : ب «يا غنيّ يا مغنى» ، من حيث هم لا يشعرون.
فطفت ، فى تلك الضّجّة العقليّة والصّرخة الغيبيّة أخرّ مغشيّا على ، وكدت من شدّة الوله والدّهش أنسى جوهر ذاتى العاقلة ، وأغيب عن بصر نفسى المجرّدة ، وأهاجر ساهرة أرض الكون ، وأخرج من صقع قطر الوجود رأسا ، إذ قد ودّعتنى تلك