على مشاره اللوعة دائمون ، أشواق عقولكم متمدّدة الأعناق ، راصدة الأقطار ، وأرواق قلوبكم متقلبة الأحداق ، شاخصة الأبصار.
فها سلسبيل من رحيق متشوّقكم ، وزنجبيل من عتيق مترقّبكم ، جدول فيض من نعمة الله ، ونهر رشح من رحمة الله ، فلذة ممّا قد امتنّ به على من فضله العظيم ، وخصّنى به من منّه القديم ، موسوما ب «سدرة المنتهى» ، في تفسير كتابه العزيز ، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيلا من ربّ السّماوات العلى. وتلك الفلذة هى ما يتعلّق منه بأمّ الكتاب وسورتى الجمعة والمنافقين ، لما أنّا بحول الله تعالى وقوّته وفضله ورحمته ، وأيده ومنّه وعونه وعصمته ، في مثل هذا الزّمان وشنئاته ، نقيم صلاة الجمعة وفريضتها ، ونحيى شعارها ووظيفتها ، وإنهنّ ملاك هذه الصّلاة وقوامها ، وبهنّ نظامها وتمامها.
فلنفض الآن في أجراء هذا النّهر الإلهيّ والجدول السّماوىّ ، راجين من فضل الله العظيم أن يتمّ لنا نعمته وينشر علينا رحمته ، فيأخذ بجنانى وهمّى وبنانى وقلمى إلى إتمام أصل الكتاب ، إنّه الكريم الوهّاب.
وعسى إن شاء الله العزيز أن سيقرع السّمع عن كثب من صقع فضاء الرّحمة وعرش سماء التّوفيق ، هتاف غيبىّ وخطاب قدسىّ ؛ أن قد آن آنه وحان حينه وحضر أوانه وجاء إبانه ، وأعظم علما ليس بالظّن أنّه ... إذا الله سنّى عقد شيء تيسّرا ..... ممّا يتعاطاه علم ، لا على سبيل التّصوير ، كما ربّما يظنّ ، بل على أنّ في ذمّته أن يتعاطاه وإن كانت مباديه أو ضاعا ومصادرات في هذا العلم ، البحث عن الوحى والإيحاء وإنزال الكتاب وتنزيله.
فمن الدّائر على الألسن أنّ وصف القرآن بالنّزول الّذي لا يتّصف به إلّا المتحيّز بالذّات دون الأعراض ، وسيّما غير القارّات ، كالأصوات ، إنّما هو بتبعيّة محلّه ، سواء أخذ حروفا ملفوظة أو معانى محفوظة ، وهو الملك الذي يتلقف الكلام من جناب الملك العلّام تلقّفا سماعيّا أو يتلقى تلقّيا روحانيّا أو يتحفّظه من اللوح المحفوظ ، ثمّ ينزل به على الرّسول ، صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولا يتمشى هذا النّمط إلّا على القول بتجسّم الملائكة. وأمّا الخارجون عن دائرة التحصيل ممشاهم ذلك.