كرده است. وشارح الإشراق ، قطب فلك التّحصيل والتّحقيق ، آن عبارات را بمادّتها وسنخها ، لا بصورتها ونظمها آورده است. وها هى بهذه الألفاظ في «شرح الإشراق» :
«عين خرّارة ، من شرب من مائها وتطهّر بها ، سرت في جوارحه منّة مبتدعة طويت له بها المهامة ، ولم يتكأده جبل قاف ، ولم تزبنه الزّبانية ، فدهدهته إلى الهاوية ، ويخفّ على الماء حمله ، ولا يغرق في البحر المحيط ، وهو في جوار عين الحيوان الرّاكدة ، من اغتمر فيها لم يمت» (ص ٣٠).
وفي رسالة «حيّ بن يقظان» بهذا النّظم وعلى هذه الصّورة :
«المكتسبون منّة لم تتأتّ للبشر بالفطرة ، وممّا يفيدها الاغتسال بعين خرّارة فى جوار
عين الحيوان الرّاكدة ، إذا هدى إليها السّائح فتطهّر بها وشرب من فراتها ، سرت في جوارحه منّة مبتدعة طويت له بها تلك المهامة ، ولم يرسب في البحر المحيط ، ولم يتكأده جبل قاف ، ولم تزبنه الزّبانية ، فدهدهته إلى الهاوية» ، انتهى كلامه ، (ص ٤٦).
فلنشرح مطاويه ، ولنحلّ رموزه : خرير الماء : صوته ، والعين الخرّارة : هى الشديدة النّبوع الكثيرة الجريان. وعين الحيوان الرّاكدة ، الّتي من اغتمر فيها بل من تغمّر من مائها لم يمت ولم يكن يذوق مرارة الموت أبدا هى الفلسفة الأولى ، الّتي هى العلم الإلهيّ ، وعلم ما فوق الطبيعة ، وسيّد العلوم ، ومخدومها ، ومستخدمها. وكون العين الخرّارة في جوار عين الحيوان الراكدة كناية عن أنّ المنطق من فروع العلم الإلهيّ ، لا من أجزائه ولا من جزئيّاته ، على ما قد استبان في فنّ البرهان ، أعنى انولوطيقا الثانية ، وقد أوضحناه نحن في صحفنا وتعاليقنا.
و «المنّة» بضمّ الميم وتشديد النّون ، معناها : القوّة ، والقدرة ، والملكة.
و «المهامة» ، جمع المهمهة : الفلاة القفر والمفازة البعيدة. والمراد بها طرق الفحص ومسالك البحث.
وفيا في النظر وفلوات الاقتناص ، هي مداحض العلوم وغوامض المعارف بأسرها.
و «البحر المحيط» : الحركة الفكريّة وقانون الاصطياد بها. و «الرسوب» فيه :