ولمّا تحقّق ذلك ، ظهر : أنّ المفرد المتصوّر ـ من حيث هو متصوّر ، أى بحسب خصوص الوجود الذّهنىّ التّصوّرىّ ، سواء كان متحقّقا في حدّ نفسه أولا ، أعنى من دون أن تعتقد النّفس تحقّقه فى نفسه ـ لا يفيد التّصديق ، أى الإذعان بتحقّق نسبته بحسب نفس الأمر ، مع قطع النّظر عن الوجود التّصوّرىّ ، وإلّا لزم جواز تحقّق المعلول بدون تحقّق علّته ، إن أفاد التّصديق بحسب كونه متحققا ، لا بحسب كونه متصوّرا ، فالتّصوّر لم يفد التّصديق، بل الإذعان بتحقّق ذلك المتصوّر أفاد تصديقا آخر.
وأمّا المتصوّر من حيث هو متصوّر ، فلمّا لم يعتبر فيه من تلك الحيثيّة تحقّق في نفسه ، مع قطع النّظر عن الوجود الذّهنىّ أصلا ، جاز أن يفيده من تلك الحيثيّة متصوّر آخر من حيث كونه متصوّرا بحسب خصوص وجوده التّصوّرىّ ، سواء اعتبر له تحقق في نفسه مع قطع النّظر عن هذا الوجود التّصوّرىّ أو لا ؛ لأنّ المعلول لمّا لم يكن إلّا الوجود التّصوّرىّ لمفهوم فجاز أن يكون علّته الوجود التّصوّرىّ لمفهوم آخر ، فبان اندفاع الإيرادين معا.
أمّا النّقض ، فلأنّ مقدّمات الدّليل غير جارية في إفادة تصوّر مفهوم تصوّر مفهوم آخر ، لأنّ حاصل الاستدلال : أنّ التّصديق لمّا كان إذعان تحقّق النّسبة ، مع قطع النّظر عن خصوص الوجود الذّهنىّ التّصوّرىّ ، فلا يجوز أن يفيده خصوص الوجود الذّهنىّ التّصوّرىّ لمفهوم ، سواء اعتبر تحقّق ذلك المفهوم في نفسه أولا ؛ لأنّ ما لا يختلف عند العقل بتحقّقه وعدم تحقّقه حال شيء ، لا يكون علّة عند العقل لذلك الشّيء.
وأمّا التّصوّر ، فلمّا لم يكن إلّا ارتسام شيء في الذّهن ، سواء كان للمرتسم مع قطع النّظر عن ذلك الارتسام والوجود التّصوّرىّ تحقّق في نفسه أولا ؛ جاز أن يكون مفهوم آخر بحسب ارتسامه في الذّهن ومن حيث خصوص وجوده الذّهنىّ التّصوّرىّ الارتسامىّ علّة له ، سواء اعتبر له تحقّق ، مع قطع النّظر عن هذا الارتسامىّ أو لا. إذ ليس للمعلول مع قطع النّظر عن هذا الوجود تحقّق في اعتقاد النّفس ، حتّى إذا لم يعتبر للعلّة تحقّق ، لزم أن يكون ما لا يختلف حال الشيء بتحقّقه وعدم تحققه في نفسه علّة لذلك الشيء ، بل المعلول ليس إلّا هذا الوجود الارتسامىّ ، فجاز أن يكون الوجود الارتسامىّ لشيء آخر علّة له.