المبدأ تعالى وبين حدوث العالم عدما للعالم مستمرّا لا إلى نهاية. فيتخيّلون بحسبه أزمنة موهومة غير متناهية ، يعبّرون عنها بالأزل. وهل ذلك إلّا من خداج النحيزة [١٨٧ ظ] وفساد العزيزة وعقوق العقل وإطاعة الوهم.
[٦] حكاية فيها دراية
اختلفت كلمة الأشعريّ والكعبىّ وطائفة من قوميهما في إثبات البقاء على أنّه معنى زائد على نفس الوجود الواقع في الزمان الثاني في الواجب تعالى وفي الممكنات جميعا ، أو نفيه في الواجب تعالى فقط أو في الممكنات أيضا. وصاحب «المحصل» ارتضى الأخير. وشيء ممّا أوردوه لا يرجع إلى تحصيل يستحسن القول فيه على تفصيل.
والحقّ ما حقّقه خاتم الحكماء المحقّقين في («نقد المحصل» ، ص ٢٩٣) ، حيث قال ، وفق أسلوب الحكمة [١٨٧ ب] : «والتحقيق فيه : أنّ البقاء مقارنة الوجود لأكثر من زمان واحد بعد الزّمان الأوّل. وذلك لا يعقل في ما لا يكون زمانيّا. واعتبر الحكم بكون الكلّ أعظم من جزئه ، فإنّه لا يمكن أن يقال : إنّه واقع في زمان أو في جميع الأزمنة ، كما لا يقال : إنّه واقع في مكان أو في جميع الأمكنة. وإذا كان الحكم كذلك ، فما يتوقّف عليه الحكم ، كالتصوّرات ، أولى بأن يكون كذلك. وعلّة الزمان لا تكون زمانيّا ، فكيف مبدأ الكلّ. فإذن اتصافه بالبقاء نوع من التشبيه بالزمانيّات. وأمّا كون البقاء باقيا [١٨٨ ظ] أو غير باق ، فإن كان باقيا فبقاؤه إمّا بذاته أو بغير ذاته ، فحكمه حكم الأمور الاعتباريّة التي توجد في العقل وتنقطع عند عدم الاعتبار».
وقال الشيخ الغزالىّ في («شرح الأسماء الحسنى» ، ص ١٥٩) : «الباقى هو الموجود ، الواجب وجوده بذاته. ولكنّه إذا أضيف في الذهن إلى الاستقبال سمّى باقيا ، وإذا أضيف إلى الماضى سمّى قديما. والباقى المطلق هو الذي لا ينتهى تقدير وجوده في الاستقبال إلى آخر ، ويعبّر عنه بأنّه أبديّ ، والقديم المطلق هو الذي لا ينتهى تقدير تمادى وجوده في الماضى إلى أوّل ، ويعبّر عنه بأنّه أزليّ. وقولك «واجب الوجود [١٨٨ ب] بذاته» متضمّن لجميع ذلك. وإنّما هذه الأسامى بحسب إضافة هذا الوجود في الذهن إلى الماضى والمستقبل. وإنّما يدخل في الماضى والمستقبل المتغيّران ، لأنّهما عبارتان عن الزمان ولا يدخل في الزمان إلّا التغيّر والحركة ، إذ الحركة بذاتها