الموجودات عنه وما يتولّد عنها ، ولا شيء من الأشياء يوجد إلّا وقد صار من جهة ما يكون واجبا بسببه. وقد بيّنا هذا ، فيكون هذه الأسباب تتأدّى بمصادفاتها إلى أن توجد عنها الأمور الجزئيّة. فالأوّل يعلم الأسباب ومطابقاتها ، فيعلم بالضرورة [١٥٤ ب] ما تتأدّى إليه وما بينهما من الأزمنة وما لها من العودات ، لأنّه ليس بممكن أنّ يعلم تلك ولا يعلم هذا».
ثمّ ساق الكلام إلى أن بيّن إدراكه تعالى للجزئيّات بتشخّصاتها إدراكا عقليّا غير زمانىّ، لا حسّيا زمانيّا ، وبعده ، قال (ص ٢٤٨) : «فإن منع مانع أنّ يسمّى هذا معرفة للجزئىّ من جهة كليّة فلا مناقشة معه ، فإنّ غرضنا الآن في غير ذلك ، وهو تعريفنا أنّ الأمور الجزئيّة كيف تعلم وتدرك علما وإدراكا لا يتغيّر معهما العالم. فإنّك إذا علمت أمر الكسوف ، كما [١٥٥ ظ] توجد أنت ، ولو كنت موجودا دائما ، كان لك علم بالكسوف المطلق ، بل بكلّ كسوف وكائن. ثمّ كان وجود ذلك الكسوف وعدمه لا يتغيّر منك أمرا. فإنّ علمك في العالمين يكون واحدا. وهو أنّ كسوفا له وجود بصفات كذا بعد كسوف كذا ، أو بعد وجود الشمس في الحمل كذا في مدّة كذا ، ويكون بعد كذا وبعده كذا ، إذ يكون هذا العقد منك صادقا قبل ذلك الكسوف ومعه وبعده. فأمّا إن أدخلت الزمان في ذلك فعلمت ، في آن مفروض ، أنّ هذا الكسوف ليس بموجود ، ثمّ علمت [١٥٥ ب] في آن آخر أنّه موجود ، فلم يبق علمك ذلك عند وجوده ، بل يحدث علم آخر بعد التغيّر الذي أشرنا إليه قبل ، ولم يصحّ أن تكون في وقت الانجلاء على ما كنت قبل الانجلاء ـ فهذا لأنّك زمانىّ وآنيّ. وأمّا الأوّل الذي لا يدخل في زمان وحكمه ، فهو بعيد أن يحكم حكما في هذا الزمان وذلك الزمان من حيث هو فيه ومن حيث هو حكم منه جديد أو معرفة جديدة».
وقال في كتاب («الاشارات» ، ج ٣ ، ص ٣١٥) ، بعد تحقيق أنّ البارى تعالى ليس موضوعا للزمان : «فالواجب الوجود يجب أن لا يكون علمه بالجزئيّات علما زمانيّا حتّى يدخل فيه الآن والماضى والمستقبل ، فيعرض لصفة ذاته أن تتغيّر ، بل يجب أن يكون علمه بالجزئيّات على الوجه المقدّس العالى عن الزمان والدهر. ويجب أن يكون عالما بكلّ شيء ؛ لأنّ كلّ شيء لازم له ، بوسط ، أو بغير وسط ، يتأدّى إليه بعينه قدره الذي هو