زمان أو آن عن عدم ممتدّ لا إلى بداية إلّا فريق من المتهوّسين فى الدّورة اليونانيّة وجماهير المتكلّفين فى الملّة الاسلامية. ومن يفقه أنّ الزّمان نفسه لا يعقل له وجود ولا عدم فى زمان أو آن وكذلك الجواهر المجرّدة المفارقة لعالمى الزّمان والمكان ليس يتفوّه بتسويغ ذلك.
وأمّا ما خمّن : «أنّ أرسطاطاليس يعنى بإثبات القدم نفى البد الزمانىّ ويقنعه ذلك ، وأنّه ليس يحيد عن سبيل استاذه إمام الحكمة فى حدوث الكلّ عن إرادة البارى ، جلّ سلطانه ، وإبداعه وإحداثه إيّاه دفعة لا بزمان وحركة».
فذاك قول مبهرج وظنّ بهرج. أليس أرسطاطاليس فى غير موضع واحد من كتبه الإلهيّة والطبيعيّة ينصّ على أنّ الإنّيّات الشّريفة المبدعة ليست مسبوقة بعدم فى الأعيان أصلا ، بل إنّما مسبوقيّتها بذات الفاعل الأول فقط ، وتأخّرها عن الحق الأول تأخّر بالذّات لا غير ، وأنّ الكائنات الفاسدة كائنة عن الفاعل الأول الحقّ من بعد لا كونها فى الأعيان الخارجة ومتأخّرة عنه ، سبحانه ، تأخّرا بالذات وتأخّرا بالوجود فى الأعيان جميعا ، ولا اختلاف عليه فى ذلك أصلا.
ولم يدع الظّانّين به أنّه يقول بأزليّة العالم إلى ظنّهم. هذا ما قاله فى كتاب «طوبيقا». كيف وليس فى ما قاله فى كتاب «طوبيقا» ، إلّا أنّ مسألة قدم العالم أو حدوثه بكلا طرفيها جدليّة البيان غير برهانية التبيان. إذ بيانات الأقوام المتناظرين عليها فى كلا الطرفين قصاراها أن تكون دلائل احتجاجيّة من مقدّمات ذائعة غير مقنعة ولا مثلجة إلّا للقلوب المشهوريّة وقياسات جدليّة محمودة من أوضاع مسلّمة متسلّمة من الخصوم ، غير مقنعة إلّا للعقول الجمهوريّة ، ولم يأت الفريقان ولا واحد منهما بأقيسة برهانيّة حقيقيّة وبراهين يقينيّة فاعلة نافذة القضاء على العقول الصّريحة الحقّة والقرائح الشاهقة الملكوتية.
ولقد اكثر شريكنا الماتع البارع أيضا من التّنصيص على ذلك فى كتبه ومعمولاته ، واستكثر من تكريره فى طوبيقا «الشفاء» وطبيعيّة وإلهيّة ، وفى كتاب «النجاة» وفى كتاب «التعليقات» وفى كتاب «المبدأ والمعاد» وفى رسالته المعمولة فى «قدم العالم».
وفى أولى طوبيقا «الشفاء» ، فى فصل الفرق بين المقدّمة الجدليّة والمطلب الجدليّ ،