ان الأوس والخزرج عشيرتان عربيتان تنتميان الى أصل واحد ، لأن الأوس والخزرج اخوان ، وكان بين هاتين العشيرتين عداء وقتال قبل الإسلام ، وكانوا من أهل الشرك لا يعرفون جنة ولا نارا ولا قيامة ولا كتابا.
وأيضا كان اليهود ينقسمون الى ثلاث عشائر : بني قينقاع ، وبني قريظة ، وبني النضير ، وكان بينهم عداء وقتال ، كما كان بين الأوس والخزرج رغم ان هؤلاء اليهود ينتمون الى أصل واحد ، ودينهم واحد .. وكانوا جميعا ، أي العشائر الثلاث اليهودية والأوس والخزرج ، من سكان المدينة .. وكان فريق من اليهود ، وهم بنو قينقاع ، يتعاونون مع الأوس ضد بني النضير وقريظة مع انهم إخوانهم في الدين ، كما ان بني النضير وبني قريظة تعاونوا مع الخزرج ضد بني قينقاع .. فكان كل فريق من اليهود يتعاون مع كل فريق من العرب ضد بعضهم البعض ، وكان اليهودي إذا دارت رحى الحرب يقتل أخاه اليهودي ، ويخرجه من دياره إذا تمكن من ذلك .. ولكن إذا أسر العرب بعض اليهود فدى الأسرى اليهود الآخرون من العرب ، مع العلم بأن الذين دفعوا فدية اليهود الأسرى كانوا يحاربون هؤلاء الأسرى مع العرب .. وهذا عين التناقض ..
واختصارا ان اليهودي لا يرى مانعا أن يقتل يهوديا مثله ، بل ويتعاون مع العرب على قتله ، ولكن إذا أسر العرب يهوديا تحركت عاطفة اليهودي الآخر ، ودفع فدية للآسر ، وفك الأسير ، وهو من ألد أعدائه .. فاليهودي يحل قتل أخيه اليهودي ، وتشريده ، ولكنه يحرم أسره .. وكان اليهود يعتذرون عن هذا التهافت بأن التوراة أمرتهم بفداء أسرى اليهود إذا أسروا ، فرد الله عليهم بأن التوراة أيضا أمرتهم بأن لا يقتل بعضكم بعضا ، ولا يخرجه من دياره ، فكيف عصيتم التوراة في القتل ، واطعتموها بالفداء من الأسر؟.
وبهذا تجد تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ). والذي كفروا به هو النهي عن القتل ، والتظاهر بالإثم والعدوان ، والإخراج من الديار ، والذي آمنوا به هو الفداء من الأسر .. وهذا عين اللعب والاستهزاء بالدين.
وتسأل : ان المحرم عليهم هو القتل والتظاهر والإخراج ، فلما ذا ذكر الله سبحانه خصوص الإخراج في هذه الآية؟.