وذكر المفسرون لصحة هذا النهي والتحذير وجهين : الأول ان المعصية ممكنة الصدور من النبي ذاتا ، ممتنعة عرضا ، أي انه يترك المعصية مع قدرته على فعلها ، والا لم يكن له فضل في تركها ، وجاء النهي والتحذير بالنظر الى ما هو ممكن بالذات ، بغض النظر عما هو ممتنع بالعرض ، أي بلحاظ العصمة.
الوجه الثاني : ان الخطاب هنا من باب «إياك أعني واسمعي يا جارة». أي هو موجه للنبي في الظاهر ، وللناس في الواقع.
وقد تصورت وجها ثالثا : وهو ان النبي ربما دار في خلده أن يتقرب من اليهود إلى حد ما .. عسى أن يهتدوا ، أو يستعين بهم على ما يبتغيه من الخير ، أو يخفف من غلوائهم ، ويكفّ بعض شرورهم .. فبين الله له ان اعداء الدين والمبدأ لا يرضيهم منك شيئا إلا أن تترك ما أنت عليه من الحق ، وتتبع ما هم عليه من ضلال .. ثم نهاه عن مهادنتهم والتقرب منهم ، لأن ذلك يساعدهم ، ويشد من عضدهم من حيث لا يريد ، وهذه التقوية والمساندة محرمة عليك يا محمد ، وعلى غيرك ، تماما كما يحرم اتّباع دينهم .. هذا ، الى أن اليهود قد جبلوا على الشر والفساد ، ومعاندة الحق وأهله ، والاساءة إلى من أحسن اليهم ، ولا تجدي معهم أية محاولة للسلم ، وكيف الأذى .. وخير الأجوبة ان لله أن يأمر وينهى المعصوم كما يأمر وينهى غير المعصوم ، بالنظر لجلاله سبحانه ، وإذا كان من فرق بين المعصوم وغيره فهو بالنسبة الى غيره تعالى لا بالنسبة اليه.
ثم ان هذا النهي والتحذير يدمغ من يتملق لأعداء الدين والوطن متذرعا انه يريد استغلالهم لمصلحة المؤمنين .. ولكن العكس هو الصحيح فان عدو الدين والمبدأ والوطن لا يسالم إلا على أساس التجارة والمساومة ، وان يكون هو الرابح دائما وشعاره الوحيد خذ ولا تعط ، فان لم تستطع فخذ أكثر مما تعطي .. ولقد بين الله جل وعز حقيقة هؤلاء التجار بأوضح بيان وأبلغه ، حيث قال : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) ـ ٩٦ البقرة».
يتلونه حق تلاوته الآة ١٢١ ـ ١٢٣ :
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ