الدرس البليغ .. انهم إذ ينزهون أنفسهم عن الرد والمراجعة يرتفعون بها فوق مكانة العزيز الجبار ، من حيث لا يشعرون .. قال الإمام أمير المؤمنين (ع) في الخطبة ٢١٤ :
«لا تخالطوني بالمصانعة ، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فانه من استثقل الحق ان يقال له ، أو العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل».
واذ قلنا الملائكة اسجدوا الآة ٣٤ :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤))
وإبليس اسم ممنوع من الصرف ، للعلمية والعجمة.
أمر الله سبحانه ملائكته بالسجود لآدم إظهارا لمزيته عليهم ، وعلى جميع مخلوقاته ، ولا تفسير ظاهر لهذه الميزة الا فضيلة العلم ، والتعظيم من شأن حامله ، لأن العلم ، كما ثبت بالوجدان ، هو المقياس لكل خطوة تخطوها البشرية الى الرقي والرخاء والكمال ، كما ان الجهل أساس الحاجة والتخلف ، وما تفوق من تفوق على غيره الا بالعلم .. فالعالم دائما متبوع ، والجاهل دائما تابع .. ومن أجل هذا فرض الإسلام العلم على كل مسلم ومسلمة.
وقال أكثر المفسرين : كان السجود لمجرد التحية ، تماما كالانحناء ورفع اليد ، لأن السجود لغير الله محرم .. وهذا غير صحيح على حد تعبير صاحب مجمع البيان ، لأنه لو كان كذلك لمّا امتنع إبليس عن السجود .. وبديهة ان السجود بأمر الله تعالى طاعة لله ، لا لآدم.
وقد كان الأمر بالسجود للملائكة كافة دون استثناء ، حتى لجبريل وميكائيل بدليل قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) ـ الحجر ٣١».