بالوحي : إن إيمانك هو باطل ، لأنه لا يستند الى التجربة أجابك بأن قطعك وإيمانك بأن الوحي باطل أيضا لا يستند الى التجربة ، لأن النفي منك ، والثبوت من المؤمن موضوعه واحد ، وهو الوحي ، فإذا كانت التجربة لا تثبت الوحي فهي أيضا لا تنفيه ، والتفكيك محال .. وبكلمة ان الإيمان بعدم صحة الغيب تماما كالإيمان بصحته كلاهما غيب في غيب ، وبديهة ان الغيب لا يصح نقده بغيب مثله .. قال سارتر الأديب والفيلسوف الفرنسي الشهير ، وهو يرد على الماديين :
«انكم إذ تنكرون وجود الله تسترسلون في الغيب تماما كالمثاليين الذين يسلمون بوجود الله .. ان يقين المادي بنفي الغيب يعتمد على نفس الدليل الذي اعتمده المؤمن ليقينه بصحة الغيب .. وبهذا يتبين ان المادي يناقض نفسه بنفسه» (١).
الخليفة :
المراد من الخليفة في قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) هو آدم أبو البشر ، وكل انسان وجد ، أو سيوجد من نسله في كل زمان ومكان .. ووجه تسميته بالخليفة ان الله سبحانه أو كل للإنسان زمام هذه الأرض ، والكشف عما فيها من قوى ومنافع ، والاستفادة منها.
ويظهر من قول الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) ، يظهر منه ان الله سبحانه قد أعلم ملائكته بطريق من الطرق ، وقبل أن يخلق آدم ، أعلمهم بأن الإنسان لو وجد في هذه الأرض لعصى بالفساد وسفك الدماء (٢) ومن هذا عظم الأمر عليهم ، وتعجبوا كيف يوجد الله من يعصيه ، وهم يسبحون بحمده ، ويقدسون له .. فأبان لهم سبحانه الحكمة من خلق الإنسان ، وان فيه
__________________
(١) انظر فصل سارتر والمذهب المادي من كتابنا «فلسفة المبدأ والمعاد» الذي ألفناه للرد على الفلسفة المادية وابطالها.
(٢) وقيل كان في الأرض العديد من الآدميين قبل آدمنا ، وانهم أفسدوا فيها كما أفسدنا ، ثم انقرضوا ... والملائكة على علم من ذلك.