له ، ويخشعون ، فحسده منافس له في المهنة ، فقال له بمسمع من الجميع : ما قولك بكذا؟ وسأله مسألة أشبه بالطلاسم.
فقال العالم : لا أعلم.
قال السائل : ان المكان الذي أنت فيه لمن يعلم ، لا لمن لا يعلم.
قال العالم : ويلك ، ان هذا المكان لمن يعلم شيئا ولا يعلم أشياء ، والذي يعلم كل شيء لا مكان له.
أجل ، ان الإنسان يستحيل أن يحيط بكل شيء علما : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).
المعرفة :
لا أحد من الناس يخلق عالما بشيء من الأشياء ، وانما تتجدد له المعرفة آنا بعد آن بسبب من أسبابها ، حتى اسمه العلم لا يعرفه إلا بعد أن ينادى به أكثر من مرة ، وقد ذكر أهل الاختصاص للمعرفة أسبابا ، منها :
١ ـ أن يتلقى الإنسان معلوماته من إحدى حواسه الخمس ، كمعرفته الألوان بالبصر ، والأصوات بالسمع ، والروائح بالأنف ، والطعوم بالذوق ، والصلابة وما اليها باللمس .. ومثلها ما يتصوره الإنسان عن طريق مشاعره الباطنية ، كالجوع والشبع ، والحب والبغض.
٢ ـ أن يتلقى معارفه من المراقبة والتجربة.
٣ ـ أن يتلقاها بالبديهة ، أي أن يشترك في معرفتها جميع العقلاء مثل : واحد وواحد اثنان ، والأشياء المساوية لواحد متساوية ، والشيء النافع خير من الضار ، أو يتلقاها من إعمال الفكر واجتهاد العقل الذي يتلقاها بدوره من الحواس ، أو التجربة أو البديهة ، مثل الحكم على كل قطعة من قطع الحديد بأنها جسم صلب ، فان هذا الحكم على كل قطعة ما وقع منها في خبرة الحس ، وما لم يقع ، ان هذا الحكم لا يعتمد على اختبار كل القطع الحديدية ، وانما اعتمد على مجرد تصور العقل وتنبؤه بوجود قدر جامع بين جميع قطع الحديد ، وعلى هذا يكون الحكم الشامل عقليا ؛ لكنه استخرج من المعرفة التي تستند الى التجربة.