بيّن الله سبحانه انه أمر ابراهيم ببعض التكاليف كذبحه ولده ـ مثلا ـ فوجده أمينا وفيا ، فمعنى أتمهن امتثل وأطاع ، وقد وصف الله ابراهيم بالوفاء في الآية ٣٧ من النجم : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى).
(قال ـ أي الله ـ اني جاعلك للناس إماما). هذه بشارة من الله لإبراهيم بالتفضل عليه بالإمامة ابتداء ، ومن غير طلب منه ، جزاء لاخلاصه ووفائه وتضحيته.
(قال ـ أي ابراهيم ـ ومن ذريتي). هذا رجاء ودعاء من ابراهيم (ع) ان يمن الله سبحانه على بعض ذريته ـ لأن من هنا للتبعيض ـ بالامامة ، كما منّ عليه .. وهنا تتجلى عاطفة الوالد للولد ، حيث طلب ابراهيم السعادة العظمى لبعض ذريته ، ولم يطلبها من الله لنفسه ، بل تفضل الله عليه بها ابتداء.
(قال ـ أي الله ـ لا ينال عهدي الظالمين). وهذا القول استجابة من الله لإبراهيم ان يتخذ أئمة من ذريته ، على شريطة أن يكونوا مثله أوفياء أتقياء لأن الهدف من الامام أن يمنع المعصية ، فكيف يكون عاصيا .. ولست أرى كلمة أدل على عدل الإمام ورحمته بالمحكومين من قول علي (ع) ، وهو خليفة المسلمين : «لقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها ، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي» .. حاكم يخاف ظلم المحكومين له ، وقوي يخشى استبداد الضعفاء به .. علي الذي لا يبالي أسقط على الموت ، أم سقط الموت عليه .. علي ، وقد أصبح مصدر القوة والسلطة يخاف من رعيته .. وكان ينبغي العكس .. كما هو المألوف المعروف .. ان هذا خارق للمعتاد ، وكل خلاله من الخوارق والمعجزات.
الإمامة وفكرة العصمة :
يطلق لفظ الإمام في اللغة على معان : منها الطريق : لأنه يقود السائر الى مقصده ، ومنها ما يقتدي الناس به في هداية ، أو ضلالة ، قال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) .. وقال في آية أخرى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ). وقد يكون الإنسان إماما إذا كان متبوعا في شيء ، ومأموما تابعا في شيء آخر .. هذا بحسب اللغة ، أما بحسب الدين والشرع فان الإمام يطلق على من يؤم الناس