كل يعزز دينه :
وتسأل : ان كلا من أهل الأديان والأحزاب يدعي انه هو المحق ، وغيره المبطل ، تماما كما ادعت اليهود والنصارى ومشركو العرب ، فكيف يتهيأ لنا ان نعرف الكاذب من الصادق؟.
وقبل الجواب نمهد بالاشارة الى هذه الحقيقة ، وهي : كل من يدعي الحق لا بد أن يكون واحدا من اثنين ، اما ان يجزم مسبقا منذ البداية برأيه ، ويصر عليه ، ولا يحتمل فيه الخطأ ، ولا يصغي الى بينة العكس أيا كان نوعها ، واما أن يكون مجردا للحق يبحث عنه ويمحص وينقب جهده ، حتى إذا رأى ما اعتقد انه الدليل اعتمده عازما على ان الحق إذا تبين في الجانب الآخر تبعه وعدل عن رأيه ، لأنه ينشد الحكمة أينما كانت وتكون .. ولا بد أن نفصل بين هذين لأن الأول لا سبيل الى اقناعه بالحجة ومنطق العقل ، بل لا دواء له الا الاعراض عنه ، والثاني يسهل معه التفاهم ، وكلنا يعلم ان هناك قضايا واضحة بذاتها لا يختلف فيها اثنان ، مثل الرخاء سعادة وهناء ، والفقر بلاء وشقاء ، والحب خير من البغض ، والتعاون أفضل من التنازع ، والسلم أعود من الحرب ، والعلم نور ، والجهل ظلام ، والعدل حق ، والجور باطل ، وان الشيء الواحد لا يتصف بصفة ونقيضها ، وما الى ذلك من الحقائق الانسانية البديهية.
إذا تمهد هذا ، وكنا على علم منه ، ثم ادعى مدع انه هو المحق دون سواه قسنا قوله بتلك الحقائق المتسالم عليها ، وتحاكمنا اليها ، فان اتفق معها فهو حق ، وان ناقضها ، واستدعى قوله الضرر والشر فهو باطل .. وبهذا يتبين معنا ان قول من قال : «كل يعزز دينه يا ليت شعري ما الصحيح؟.» ان هذا القول لئيم وخطير ، يهدف الى اشاعة الفوضى والجهل ، ولو صدق لوجب أقفال المعاهد والمعابد والمحاكم ، حيث لا قيم عقلية ، ولا قانونية ، ولا أخلاقية.
والذي يهون الخطب ان قول : «يا ليت شعري ما الصحيح» كلام شعري جاء من وحي العاطفة التي تستمد منطقها من اللامنطق .. وصدق الله العظيم حيث يقول : «والشعراء يتبعهم الغاوون ، ألم تر انهم في كل واد يهيمون ، وانهم يقولون ما لا يفعلون».