التي تحيط به من الخارج فأكثر وأوفر ، ومن حاول احصاء هذه أو تلك فقد طلب المحال ، ولكل منها أثره وعمله ، والإنسان معها جميعا بين مد وجزر ، فحصر المؤثرات بالمادة وحدها ، تماما كحصرها بالقوى الروحية ، أو بالعرق .. الكل باطل وغير صحيح. أجل ، ان الفقر باعث قوي على الرذيلة والإثم ، وربما كان أقوى البواعث على الإطلاق ، لذا قال علي أمير المؤمنين (ع) : كاد الفقر أن يكون كفرا.
ولكن إذا تم للإنسان ما يحتاج اليه في حياته فلن تتم له السكينة والاستقرار الا إذا آمن بمبادئ انسانية ، يلائم بينها وبين سلوكه ، وركن الى دين قويم يعصمه عن الخطايا والذنوب (١).
شيء من لا شيء :
وتسأل : كيف تدفقت العيون من حجر يحمله الإنسان في يده؟ وهل يكون المحال ممكنا؟ هل يوجد شيء من لا شيء ، أو الكثير من القليل؟ يحفر الإنسان آلاف الأمتار في الأرض ، ومع ذلك لا يخرج الماء إذا لم يكن موجودا في مكان الحفر ، فكيف نبع الماء من حجر لا عين ولا أثر فيه للماء؟.
الجواب : لا تفسير من العلم والطبيعة لهذا إطلاقا ، لا تفسير الا بالمعجز وخوارق العادات ، والا بقوله جلت قدرته : كن فيكون ، تماما كانفلاق البحر ، ووقوف مائه كالجبال ، ونزول المنّ والسلوى من السماء ، وجعل النار بردا وسلاما على ابراهيم ، وولادة عيسى بلا دنس ، واحيائه الموتى ، وخلقه الطير من الطين ، الى غير ذلك .. فمن آمن بالله وقدره حق قدره اقتنع مكتفيا بهذا ، ومن جحد وعاند فلا كلام في الفرع بعد أن أنكر الأصل .. واني على يقين ان الذين يطلبون تفسيرا علميا ودقيقا لكل شيء ، ان هؤلاء قد مر في حياتهم
__________________
(١) في سنة ١٩٣٦ تنازل أدوار الثامن عن عرش الامبراطورية البريطانية التي لم تغب الشمس عن سلطانها آنذاك تنازل عن العرش من أجل امرأة ، اسمها واليس ، تزوجت قبله مرتين وطلقت ، وفضل أن يعيش معها مشردا ، ينتقل من بلد إلى بلد بحثا عن عمل ، ولا حجة أقوى من هذه الحادثة على خطأ من حصر البواعث كلها بالمادة.