استعدادا لعلم ما لم يعلموا ، وان فساده في الأرض لا يذهب بالفائدة من وجوده ، وعندها اقتنع الملائكة وأذعنوا.
هذا ، الى ان الله سبحانه لم يخلق الإنسان ، ليرتكب المعاصي والرذائل ، بل خلقه للعلم والعمل النافع ، ونهاه عن الإفساد والإضرار ، فان خالف وعصى عوقب بما يستحق.
وتدل هذه الآية على ان للعلم ومعطياته مكانة عظمى عند الله وملائكته ، لأنه سبحانه قد برر خلق الإنسان بقابليته للعلم والمعرفة .. وحين أطلع الملائكة على ذلك اعتذروا قائلين : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا). وإذا كانت الغاية من خلق الإنسان العلم والعمل فمن ترك وأهمل فقد نقض الحكمة من وجوده ، وخالف الفطرة التي فطره الله عليها.
وأخشى ان أقول : ان الملائكة لو علموا حينذاك بتأثير القنبلة الذرية والهيدروجينية ، وقنابل النابالم التي تستعملها أمريكا في فييتنام لما أقنعهم شيء .. وأستغفر الله الذي يعلم منا ما لا نعلمه نحن من أنفسنا.
درس بليغ :
والدرس البليغ الذي يجب أن نستفيده من هذه المحاورة بين الله وملائكته ان الإنسان بالغ ما بلغ من العلم ونزاهة القصد ، والقوة والسلطان ليس بفوق ان يجادل ويناقش ، ويشار عليه .. فالله سبحانه علا جلاله وعظمته قد فسح لملائكته مجال الحوار والمقال الذي هو أشبه بالاعتراض ، وهم بدورهم لم يحجموا عن ذلك ، بل أقدموا على علم منهم بعظمة الله وحكمته ، وقد تلطف سبحانه في جوابهم ، وأبان لهم برفق الدليل المحسوس الملموس ، وأخذ اعترافهم بالرضى ، والاقتناع ، لا بالزجر والغلبة. بل ان الله سبحانه قد فتح باب الحوار معه لإبليس اللعين الذي راجعه بقوله : خلقتني من نار ، وخلقته من طين .. كما يأتي.
فعلى الذين يرون أنفسهم فوق الاعتراضات ان يتعظوا ويستفيدوا من هذا