عنهما للإيجاز من غير إخلال شيء من المعنى ، فان شهرة الحال تغني عن البيان المفصل».
احتكار الجنة :
يظهر من هذه الآية الكريمة ان اليهود والنصارى يؤمنون بنظرية الاحتكار منذ القديم ، وانها عندهم تشمل نعيم الدنيا والآخرة .. وأيضا يظهر ان احتكار الجنة مختص برجال الدين ، وعلى هذا الأساس كانت الكنيسة تبيع صكوك الغفران للعصاة والآثمين بعد أن تقبض الثمن ، وقد كسبت بذلك أموالا طائلة ، ولكن على حساب تشجيع الجرائم ، وانتشار الفساد .. ومما كانت تكتبه الكنيسة للعاصي في صك الغفران انه : «يغلق أمامك ـ الخطاب للعاصي ـ الباب الذي يدخل منه الخطاة الى العذاب والعقاب ، ويفتح الباب الذي يؤدي الى فردوس الفرح ، وان عمّرت سنين طويلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة ، حتى تأتي ساعتك الأخيرة باسم الأب والابن وروح القدس».
(تلك أمانيهم) جمع الأماني ، لأنها كثيرة ، منها أمنيتهم أن يرجع المسلمون كفارا ، ومنها ان يعاقب أعداؤهم ، ومنها ان الجنة لهم وحدهم.
(قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). كل دعوى تحتاج الى دليل ، وأيضا كل دليل نظري يحتاج الى دليل ، حتى ينتهي الى أصل عام ثبت بالبديهة والوجدان ، ومعنى ثبوته كذلك أن يتفق على صحته جميع العقلاء ، ولا يختلف فيه اثنان ، تماما كهذا الأصل : «ل دعوى تحتاج الى دليل» .. اللهمّ الا إذا كانت الدعوى بديهية ، على ان الدعوى البديهية لا يسمى القائل بها مدعيا ، لأن الدعوى مأخوذ في مفهومها الافتقار الى الدليل ، أما القضية الواضحة بذاتها فدليلها معها ، وملازم لها لا ينفك عنها بحال ، والا لم تكن بديهية .. واختصارا لا يسوغ أن تقول : أين الدليل لمن قال : العشرة أكثر من الواحد ـ مثلا ـ.
وجاء في تفسير المنار عند ذكر هذه الآية ما يتلخص بأن السلف الصالح من المسلمين كانوا يسيرون على هذا الأصل ، فيقيمون الدليل على ما يقولون ، ويطلبونه من الناس على ما يدعون ، ولكن الخلف الطالح ـ على حد تعبير