(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). قال صاحب مجمع البيان :
«سأل اليهود والنصارى محمدا (ص) ان يهادنهم ، وأظهروا له انه إذا هادنهم وأمهلهم اتبعوه وآمنوا به فآيسه الله منهم ومن موافقتهم. وهذا يدل على انه لا يصح إرضاء اليهود والنصارى بحال من الأحوال ، لأنه تعالى علق رضاهم بأن يصير يهوديا أو نصرانيا ، وإذا استحال ذلك استحال ارضاؤهم».
والحقيقة ان أكثر أهل الأديان والأحزاب على هذه النزعة ، ولا خصوصية لليهود والنصارى في ذلك ، بل ان بعض الناس لا يرضى عنك الا إذا جعلت من نفسك عبدا له ، وقد استنكر القرآن الكريم هذه النزعة البغيضة ، ودعا الى التعايش الديني مع جميع أهل الأديان ، وقدس جميع الرسل والأنبياء ، وذكرهم بكل خير ، وأوجب على أتباعه الاعتراف بهم والايمان بنبوتهم ، وهذا من أقوى البواعث للتآخي بين أهل الملل والنحل ، وتعاون بعضهم مع بعض.
وعلى أية حال ، فان الله خص اليهود والنصارى بالذكر ، كي ييأس النبي ويقنط من متابعتهم له ، كما قال صاحب المجمع.
(قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى). قدمنا عند تفسير الآية ٢٦ : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) فقرة «الهدى والضلال» ان الهدى يطلق على معان : منها بيان الحق ، ومنها التوفيق الى الهداية وعمل الخير ، ومنها الثواب الخ .. والمراد بالهدى هنا الإسلام الذي أوحاه الله الى نبيه محمد (ص) ، وما عداه هوى ، لا هدى .. والمعنى قل يا محمد لليهود والنصارى : ان ما أنا عليه هو الحق ، وما أنتم عليه باطل وضلالة ، فكيف أترك الحق ، واتبع الضلال؟.
أعداء الدين والمبدأ :
أخبر الله جل وعز نبيه الكريم بأن اليهود والنصارى لن يرضوا عنه ، حتى يتبع ملّتهم ، ومع علمه سبحانه بعصمة نبيه محمد (ص) ، وانه لن يتبع أهواءهم بحال فقد وجه اليه هذا التحذير : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).