لا قياس على اليهود :
من يدقق النظر في آي الذكر الحكيم التي نزلت في الاسرائيليين خاصة ، وفي الذين كانوا منهم على عهد موسى الكليم (ع) بوجه أخص ، ان من يستقرئ هذه الآيات يخرج بنتيجة واضحة كالشمس ، وهي انه سبحانه قد عاملهم معاملة لا تشبه شيئا ، ولا يشبهها شيء مما هو معروف ومألوف .. وغير بعيد أن يكون قوله تعالى : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ») اشارة الى هذه المعاملة الخاصة.
فلقد حررهم الله من نير فرعون وطغيانه بانفلاق البحر ، لا بالجهاد والتضحية ، وأطعمهم المنّ والسلوى ، وسقاهم الماء بمعجزة ، لا بالكد والعمل ، ورفع فوقهم الجبل ليطيعوا ، ويسمعوا ، وأحيا قتيلهم ، ليبين لهم ما خفي من أمر القاتل .. كل ذلك ، وما اليه يدل دلالة صريحة واضحة على ان مشاكل اليهود في ذلك العصر لم تحل بطريقة طبيعية مألوفة ، بل لم يفكروا هم أنفسهم في العمل من أجل حلها .. فكلما اصطدموا بمشكلة قالوا : يا موسى ادع لنا ربك يفعل ويترك .. وكان موسى يدعو ، والله يستجيب.
وبهذا يتبين معنا ان قياس سائر الأجيال على الجيل الاسرائيلي آنذاك في غير محله ، وان قول الشيخ محمد عبده : «ان الله يعامل القرون الحاضرة بمثل القرون الخالية» يصح في جميع الناس الا في أولئك الناس (١).
وأيضا يتبين ان الله قد أراد برفع الجبل أن يكرههم ويلجئهم الى الأخذ بما في التوراة ، وان قول السيد الطباطبائي في كتاب الميزان : «ان رفع الجبل لا يدل على الإلجاء والإكراه ، لأنه لا إكراه في الدين» ان هذا القول بعيد عن الواقع بالنسبة الى قوم موسى الذين عاملهم الله معاملة أبعد ما تكون عن الضوابط والقواعد.
أما الحكمة الإلهية لذلك فلا مصدر لديّ أعتمده لمعرفتها. وقد يكمن السر
__________________
(١) لقد وصم القرآن والإنجيل اليهود بأنهم أعداء الإنسانية ، وتاريخهم يشهد بهذه الحقيقة ، ومن أجل هذا يحرصون كل الحرص على التأكيد بأنه لا فرق بين القوميات ، ولا بين الأديان ، وألفوا لهذه الغاية الكتب ، وأسسوا المعاهد ، وبثوا الدعايات ، وأنشأوا الجمعيات ، ومنها الجمعية الماسونية العالمية التي أضفوا عليها ثوب الانسانية.