الجواب : ان الله سبحانه منح القدرة للعبد ، وبيّن له الخير والشر ، ونهاه عن هذا ، وأمره بذاك ، قال عز من قائل : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) فإذا سلك طريق الالفة والمحبة صح أن ينسب سلوكه هذا الى العبد ، لأنه صدر عنه بإرادته واختياره ، وفضّله على طريق الشقاق والنزاع ، وأيضا يصح أن ينسب الى الله ، لأنه أقدره عليه ، وأمره به ، أما إذا سلك طريق البغض والتناحر فان هذا السلوك ينسب اليه وحده ، ولا ينسب الى الله ، لأن العبد قد فعله برضاه وفضّله على طريق الاتفاق ، ولا تجوز إطلاقا نسبته الى الله ، لأنه نهاه عنه.
وان قال قائل : لما ذا أقدر الله العبد على الشر والتفرقة ، وكان ينبغي أن يرغمه ويلجئه الى عمل الخير والوفاق ، ولا يمكّنه من الشر والاختلاف إطلاقا؟. قلنا في جوابه : لو فعل الله هذا لم يبق للإنسان من فضل ، ولم تتصف أفعاله بخير أو بشر ، ولا بحسن أو قبح ، لأن هذا الوصف منوط بارادة الإنسان واختياره ، بل لو ألجأه الله سبحانه إلجاء الى الفعل لم يبق من فرق بين الإنسان وبين الجماد ، ولا بينه وبين ريشة في مهب الريح .. ومن أجل هذا ، من أجل أن تبقى للإنسان انسانيته لم يشأ الله أن يكره الناس على الوفاق ، ولو شاء ما اقتتلوا.
واختصارا ان الاقتتال الذي حصل بين الناس لم يقع مخالفا لمشيئة الله التكوينية المعبر عنها (بكن فيكون). وانما وقع مخالفا لمشيئته التشريعية التي هي عبارة عن مجرد البيان والإرشاد ، وقد شاءت حكمته جل جلاله ان يمنح الإنسان الاستعداد الكافي لعمل الخير والشر معا ، ليختار هو بنفسه لنفسه الهدى والخير ، ويصبح باختياره إنسانا يفترق عن الجماد والحيوان.
الانفاق الآة ٢٥٤ :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤))