الى القبلة التي كان عليها .. فحسم الله طمعهم بقوله : وما أنت بتابع قبلتهم ، كما حسم أمل النبي (ص) باتباع قبلته بقوله : ما تبعوا قبلتك.
(وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ). اليهود يصلون الى المغرب ، والنصارى الى المشرق ، ولا تترك طائفة ما هي عليه ، وتتبع الأخرى ، فكيف يتبعون قبلتك يا محمد؟ .. بل ان بين فرق اليهود بعضها مع بعض ، وبين فرق النصارى كذلك أكثر مما بينهم وبين المسلمين .. والمذابح التي حصلت بين الكاثوليك وبين البروتستانت لا مثيل لفظاعتها في جميع العصور.
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ). ومحال أن يتبع النبي (ص) أهواءهم ، لأنه معصوم .. ولكن الغرض من هذا النهي أن يتشدد النبي (ص) في معاملته مع اليهود ، ويتصلب في موقفه منهم ، إذ لا خير في مهادنتهم ، ولا أمل في سلمهم ، ولا تجدي أية محاولة لردعهم عن الكيد والفساد ، لأنهم جبلوا على الشر ، ومعاندة الحق ، والاساءة لمن أحسن اليهم ، وقد مر الكلام في ذلك عند تفسير الآية ١٢٠ فقرة «أعداء الدين والمبدأ».
الإسلام وأهل الأديان المتعصبون :
من المعقول جدا أن يختلف العلماء من كل نوع وصنف في مسألة غير دينية ، وبعد التذاكر والتدارس يتفقون على ما كانوا فيه مختلفين ـ ولقد وقع هذا بالفعل ـ أما إذا اختلف العلماء من أديان شتى في مسألة دينية فاتفاقهم بحكم المحال ، حتى ولو قام ألف دليل ودليل ، وقد ثبت عند علماء النفس ان تحول الناس عن كيانهم أيسر بكثير من تحولهم عن دينهم .. ذلك ان أكثر الناس يعتمد دينهم على التعصب لدين الآباء والأجداد .. وما عرف عن دين من الأديان انه نعى على تقليد الآباء غير الإسلام .. فلقد استند في تثبيت أصوله الى العقل وحده. ومن استعرض آيات القرآن ، والأحاديث النبوية يرى انها تهتم بمتابعة العقل بقدر ما تهتم بالايمان بالله ، لأن هذا الايمان لا ينفك أبدا عن الهداية بنور العقل السليم.