ما زال الكلام في الذين اتخذوا أندادا من دون الله ، وهؤلاء هم المرءوسون والتابعون ، والأنداد هم الرؤساء والمتبوعون .. وغدا إذا انكشف الغطاء تبرأ الرئيس من المرءوس ، والمتبوع من التابع ، لشدة ما وقع به من العذاب ، وتقطعت الروابط والعلاقات بين الاثنين ، قال صاحب مجمع البيان : «يزول بينهم كل سبب يمكن التعلق به من مودة وقرابة ومنزلة وحلف وعهد ، وما إلى ذلك مما كانوا ينتفعون به في هذه الدنيا ، وذلك غاية الإياس». وتجري هذه الآية مجرى قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) ـ الأعراف ٣٧».
(وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا). يتمنى غدا كل عاص ان يعود الى الدنيا ليصلح ما كان أفسد ، بخاصة التابع لأهل البغي والضلال ، ليتبرأ من المتبوع المضل ، ولا شيء أبعد من هذه الأمنية ، بل هي حسرة تحرق النفس ، تماما كما تحرق النار الجسد .. وهكذا تكون الحسرات ثمرة لاتباع الهوى والتفريط.
وظاهر لفظ الآية يدل على انها مختصة بالكفار ، ولكن السبب الموجب للحكم يشمل كل من اتبع وناصر أهل الجور والفساد ، ومن اعتقد ان غير الله ينفع ويضر ، ومن أخذ دينه عن أهل الجهل والضلال ، ان هذه الآية تشمل هؤلاء جميعا ، حتى من نطق بكلمة التوحيد ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة .. اللهم الا الجاهل القاصر الذي يعجز عن معرفة الحقيقة ، وادراك ما تدركه العقول السليمة.
التقليد والأئمة الأربعة :
جاء في تفسير المنار نقلا عن الشيخ محمد عبده ان الأئمة الأربعة : أبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل نهوا عن تقليدهم والأخذ بأقوالهم ، وانهم قد أمروا بتركها لكتاب الله وسنة رسوله ، وبعد ان نقل قول كل إمام في ذلك قال : ولكن الكرخي ـ هو أحد فقهاء الحنفية ـ صرح قائلا بأن الأصل قول الحنفية ،