(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). التداين على وزن تفاعل ، أي داين بعضكم بعضا ، ويأتي التداين لمعنيين : الأول التداين بالمال. الثاني المجازاة ، قال الإمام علي (ع) : كما تدين تدان ، ولما كان اللفظ محتملا لهذين المعنيين قال تعالى : تداينتم بدين ، دفعا لارادة المجازاة من التداين ، والأجل الوقت المضروب لانقضاء الأمد ، والمسمى هو الذي يعين بالتسمية ، كالسنة والشهر ، وقوله تعالى : (فَاكْتُبُوهُ) أمر بكتابة الدّين ، والأمر يدل على الوجوب ، ولكن جرت سيرة المسلمين منذ القديم على عدم الالتزام بكتابة الدّين والاشهاد عليه ، فتعين حمل الأمر على الندب والإرشاد.
بين القرض والدّين :
يشترك الدّين مع القرض في ان كلا منهما يتوقف الانتفاع به على استهلاكه ، وانه حق ثابت في الذمة ، ويفترق القرض عن الدّين في ان العين المقترضة تسدد بمثلها في الجنس والصفات ، فإذا استقرضت نقدا ثبت في ذمتك للمقرض نقد مثله ، وكذا إذا استقرضت طعاما أو شرابا أو ثوبا ، وعلى هذا ينحصر القرض في المثليات دون القيميات.
أما الدّين فيثبت في الذمة بسبب من الأسباب الموجبة له ، كالقرض ، والبيع نسيئة ، والزواج بمهر مؤجل ، والجناية ، وما إلى هذه ، وعلى هذا يكون الدّين أعم من القرض ، ويقضى بمثله ان كان مثليا ، وبقيمته ان كان قيميا.
(وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ). لما كان الغرض من كتابة الدين ضمان الحق لكل من الدائن والمدين ، ودفع التنازع والتخاصم بينهما ـ لما كان كذلك وجب أن يكون الكاتب أمينا عارفا بأحكام الدين ، إذ لو كان جاهلا ، أو متحيزا انتقض الغرض المقصود.
وتسأل : لما ذا قال : ليكتب كاتب بالعدل ، ولم يقل : ليكتب بينكم كاتب عادل؟
الجواب : لأن الكتابة بين الناس لا يشترط فيها أن يتصف الكاتب بالعدالة