(قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا). هل هنا للتقرير ، وعسيتم بالفتح ، ومعناها المقاربة ، والمراد بها التوقع ، أي هل الأمر كما أتوقعه أنا منكم من التخاذل وترك القتال إذا فرض عليكم؟! (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا). أنكروا أن يكون لهم أي داع لترك الجهاد ، وبينوا السبب الذي يدعوهم للقتال ، وهو طردهم من ديارهم ، وبعدهم عن أبنائهم.
(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ). وأكثر الناس على هذا الوصف ، يقررون ويصممون على الاقدام والعمل ، حتى إذ جد الجد تواروا في جحورهم ، وأبلغ ما قيل في ذلك كلمة لسيد الشهداء الحسين بن علي (ع) : الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ). هذا المنطق لا يختص ببني إسرائيل ، فلقد كان الناس ، وما زال أكثرهم يزعمون ان المناصب العالية يجب أن تكون لأهل المال والجاه : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) ـ الفرقان ٤١».
(قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ). أي ان الرئاسة لا تكون بالمال والنسب ، بل بالعلم والإخلاص ، والمراد ببسطة الجسم السلامة من الأمراض ، لأن المرض يمنع من القيام بواجبات الرئاسة ، وقيل : ان طالوت كان أطول من الرجل المعتاد بمقدار ذراع اليد.
مشيئة الله وسلطان الجور :
(وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ). ان الله سبحانه مالك الملك يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير .. ما في ذلك ريب ، ولكنه جلت حكمته عادل