وأشرنا فيما سبق إلى ما فعل بهم فرعون وبخت نصر والرومان.
وعلى أية حال ، فان من جملة المواثيق التي أخذها الله على اليهود في التوراة أن لا يقتلوا أنفسهم ، أي لا يقتل بعضهم بعضا ، ولا يخرجوا أحدا من دياره ، واليهود لا ينكرون هذه المواثيق ، بل ليس في وسعهم أن ينكروها ، لأنها موجودة في التوراة التي يؤمنون بصدقها ، وبأنها وحي من الله .. ومع ذلك خالفوها عن عمد وتصميم ، فقامت الحجة عليهم ؛ وناقضوا أنفسهم .. وبهذا التمهيد يتضح المراد من الآيات :
المعنى :
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ). عاد سبحانه الى بني إسرائيل ، يذكرهم بالعهود والمواثيق التي قطعت على لسان موسى والأنبياء من بعده ، ومن هذه المواثيق ان لا يريق بعضهم دم بعض ، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم .. وقوله تعالى دماءكم ودياركم تماما كقوله : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) ، أي ليسلم بعضكم على بعض.
(ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ). أي أقررتم بالميثاق ، وشهدتم بأنفسكم على أنفسكم.
وتسأل : ان الإقرار والشهادة على النفس شيء واحد ، فكيف صح عطف الشيء على نفسه؟.
الجواب : يجوز من باب التأكيد ، وأيضا يجوز أن يكون المراد بالإقرار اقرار السلف من اليهود ، وبالشهادة شهادة الخلف بأن السلف قد أقر ، واعترف بالميثاق.
(ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) أي انكم بعد أن أقررتم بالميثاق نقضتموه ، وقتل القوي منكم الضعيف ، وأخرجه من دياره.
(تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ). أي تتظاهرون ، والتظاهر هو التعاون ، وتشير الآية الى انقسام اليهود ، وتعاون كل فريق منهم مع العرب ضد الفريق الآخر من اليهود .. وملخص الحكاية :