ولما التقى الجمعان : بنو إسرائيل بقيادة طالوت ، والفلسطينيون بقيادة جالوت خاف أكثر الاسرائيليين ، وقالوا لطالوت : لا طاقة لنا بجالوت وجنوده. وقال المؤمنون القليلون منهم الذين لم يشربوا من النهر : كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، ودعوا الله سبحانه أن يمنحهم الصبر والثبات ، والنصر على العدو ، فاستجاب لهم ربهم بعد أن علم منهم العزم والصدق في النية ، وقتل داود جالوت ، وانهزم العدو شر هزيمة ، وصار لداود بقتل جالوت من الصيت والسمعة ما ورث به ملك بني إسرائيل. وآتاه الله بعد ذلك النبوة ، وأنزل عليه الزبور ، وعلمه صنعة الدروع ، وعلوم الدين ، وفصل الخطاب كما قال تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ).
هذا ملخص ما دلت عليه الآيات الكريمة ، أما زواج داود ببنت طالوت ، ومحاولة هذا الغدر بزوج ابنته ، ومقلاع داود وأحجاره ، وقصته مع السبع والدب ، أما هذه وما اليها مما جاء في كتب التفاسير فلا سند لها الا الاسرائيليات.
أما العبرة من الاشارة الى هذه القصة وتدبرها فهي ان الذي تجب له القيادة من يتمتع بالكفاءة العلمية والخلقية ، لا صاحب الحسب والنسب ، والجاه والمال ، وان النصر والغلبة تكون بالصبر والايمان ، لا بكثرة العدد ، وان السبيل الى معرفة الطيب والخبيث هي التجربة والابتلاء.
وبعد تلخيص القصة ، والعبرة بها نشرع بتفسير الجمل والكلمات :
المعنى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى). ألم تر خطاب في ظاهره موجه الى النبي ، وفي المعنى الى جميع السامعين .. وهذه الصيغة يخاطب بها العالم بالقصة ، وغير العالم بها ، فتقول له : ألم تر إلى فلان أي شيء فعل ، وأنت تريد أن تعرفه بما فعل ، والملأ اسم جمع ، لا واحد له من لفظه ، كالقوم والجيش والرهط. (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ). قيل : ان النبي الذي قالوا له هذا القول هو صمويل.