صريحة وقطعية أيضا ، حيث تأتي النتيجة هكذا : الخمر إثم ، وكل إثم حرام ، فالخمر حرام.
هذا ، بالاضافة الى الآية ٩٠ و ٩١ من سورة المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ) (١) (وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»). فقوله : فاجتنبوه أمر بالاجتناب ، والأمر يدل على الوجوب ، وقوله : فهل أنتم منتهون ، ظاهر في النهي ، لأن معناه انتهوا ، والنهي يدل على التحريم ، ولذا قال المسلمون بعد سماع هذه الآية : انتهينا. أما الآية ٤٣ من النساء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى). أما هذه الآية فقد نزلت قبل آية المائدة التي هي أشد وأغلظ ، وأشرنا ان الحكمة ربما تستدعي التدريج في بيان التحريم. على ان لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى لا دلالة فيها على حليّة الخمر في غير الصلاة ، ويأتي الكلام عنها مفصلا ان شاء الله حين نصل اليها.
هذا ، الى أن المسلمين منذ الصدر الأول الى اليوم قد أجمعوا كلمة واحدة على ان الخمر من الكبائر ، وان من استحلها فليس بمسلم ، ومن ارتكبها متهاونا فهو فاسق ، ويحد بثمانين جلدة ، وقد تواتر عن الرسول الأعظم (ص) انه لعن غارسها ، وعاصرها ، وبائعها وشاريها وساقيها وشاربها. وفي بعض الأخبار أو الآثار : ان ما من شريعة سماوية إلا ونهت عن الخمر. وقد بحثنا هذا الموضوع مفصلا في الجزء الرابع من فقه الإمام جعفر الصادق ، باب الأطعمة والأشربة.
(وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) والمراد بالإثم هنا الضرر ، ويظهر ضرر الخمر في الجسم والعقل والمال ، وفي الصد عن ذكر الله ، وفي الخصومات والمشاحنات ، وفي ارتكاب المحرمات ، فلقد روى أهل السير ان بعض السكارى نزا على بنته .. وكان العباس بن مرداس رئيسا في قومه في الجاهلية ، وقد حرم الخمر على نفسه بفطرته ، ولما قيل له في ذلك قال : ما أنا بآخذ جهلي بيدي فادخله جوفي ، ولا أرضى أن أصبح سيد القوم ، وامسي سفيههم. وقال طبيب ألماني شهير :
__________________
(١) الانصاب والازلام سهام كانوا يجيلونها في الجاهلية للقمار.