لذاته ، ولا ليتسع ملكهم ، ويمتد سلطانهم ، ويعيشوا على حساب غيرهم من الشعوب ، وانما فرضه عليهم لنصرة الحق ، والدفاع عنه ، فان الحق من حيث هو ليس إلا مجرد فكرة ونظرية. أما تطبيقها والالتزام بها فيحتاج الى العمل الجاد ، وهو أولا الدعوة بالحكمة ، والطرق المألوفة ، فإن لم تجد وجب تنفيذ الحق بالقوة .. وأية نظرية لا تعتمد على القوة التنفيذية فوجودها وعدمها سواء ، ومن أجل هذا فرض الله على المسلمين في هذه الآية وغيرها جهاد كل معتد على الحق ، حيث لا يجدي معه الأمر بالمعروف والموعظة الحسنة .. ولو لا السلطة التنفيذية لكانت السلطة التشريعية مجرد كلام ملفوظ أو مكتوب.
(وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). قال المفسرون : ان أصحاب الرسول كرهوا القتال ، لأن الإنسان بطبعه يشق عليه أن يعرض نفسه للهلاك ، ولكنهم في الوقت نفسه يستجيبون لأمر الله تعالى طلبا لمرضاته ، تماما كالمريض يشرب الدواء بغية الشفاء. وان الله سبحانه قد نبههم بقوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) الى أن ثمرة القتال والجهاد تعود اليهم ، لا اليه .. هذا ملخص ما قاله أهل التفاسير ، وظاهر اللفظ يتحمله ولا يأباه.
ولكن إذا نظرنا الى سيرة الأصحاب الخلص وبطولاتهم في الجهاد والفداء من أجل الدين ، وسيطرته على مشاعرهم ، وكيف استهانوا بالحياة طلبا للاستشهاد ، حتى ان من كان ينجو من القتل ، ويرجع من الجهاد سالما يرى نفسه شقيا سيء الحظ ـ إذا نظرنا الى هذه الحقيقة ، وأدخلناها في حسابنا ، ونحن نفسر هذه الآية نجد ان ما قاله المفسرون من كراهية الأصحاب للقتال غير وجيه ، وانه لا بد من تفسير الآية بمعنى آخر يساعد عليه الاعتبار ، ويتحمله اللفظ ، ويتلخص هذا المعنى في أن الأصحاب كانوا يرون أنفسهم دون المشركين عدة وعددا ، فخافوا إذا قاوموهم بالقوة أن يهلكوا عن آخرهم ، ولا يبقى للإسلام من ناصر ، وتذهب الدعوة الاسلامية سدى .. فكراهيتهم للقتال جاءت من الخوف على الإسلام ، لا على أنفسهم. فبين الله لهم ان القتال الذي دعيتم اليه ، وكرهتموه هو خير لكم وللإسلام ، وان القعود عنه يؤدي الى ذهابكم وذهاب الإسلام .. وأنتم تجهلون هذه الحقيقة ، ولكن الله بها عليم ، لأنه لا تخفى