أنزلت الى ابراهيم فقط ، ولكن صحّت نسبة الانزال الى الجميع بالنظر الى أنهم متعبدون بها ، وداعون اليها ، تماما كما يصح لنا نحن المسلمين أن نقول : انزل القرآن إلينا ، لأننا نؤمن ونعمل به ، وندعو اليه.
(والأسباط). هم حفدة يعقوب من أبنائه الاثني عشر ، وهم بمنزلة القبائل العربية من ذرية إسماعيل ، وفي الأسباط أنبياء كثيرون كداود ، وسليمان ، ويحيى ، وزكريا ، وأيضا فيهم المؤمنون الذين تعبدوا بصحف ابراهيم (ع). (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى). التوراة والإنجيل ، (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ). كالزبور المنزلة على داود ، (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ). أي نؤمن بالجميع ، سواء من كان له كتاب يؤثر ، أو لم يكن ، ولسنا كاليهود والنصارى الذين آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض ، بل الجميع عندنا سواء ، من حيث الاعتراف بنبوتهم .. وبديهة ان الايمان بجميع الأنبياء انما يجب بنحو الإجمال ، ولسنا مكلفين بالتفاصيل إلا بعد البيان من كتاب أو سنة.
(وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). أي معترفون له بالوحدانية ، ومخلصون في العبودية. (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا). أي فان آمنوا ايمانا صحيحا ، وهو التوحيد الخالص من شوائب الشرك ، واعترفوا بجميع الأنبياء بما فيهم محمد ، تماما كما آمن المسلمون بجميع الأنبياء دون استثناء فعندها يكونون مهتدين .. وليس المراد أن يؤمنوا بدين مثل دين الإسلام، إذ لا مثيل للإسلام إطلاقا.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ). كل من عاند الحق فقد شق العصا ، وبدد الشمل. (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) إذ لا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
والكلمة الجامعة باختصار لكل ما قدمناه هي ان الإسلام يرفض التعصب ، ويدعو للتعاون على أساس الخير والعدل ، ويعترف بالحق أينما كان ويكون ، ويدعو أتباعه أن يفتحوا قلوبهم للناس ، كل الناس في مودة واخلاص.
(صبغة الله) وهي دين الحق الذي يطهّر القلوب والعقول من الأقذار والأكدار ، لا الغمس بالماء الأصفر ، كما تفعل النصارى ، ولا غير ذلك. قال محيي الدين ابن عربي في تفسيره :
«ان كل ذي اعتقاد ومذهب باطنه مصبوغ بصبغ اعتقاده ، ودينه ومذهبه ، فالمتعبدون بالملل المتفرقة مصبوغون بصبغ نيتهم ، والمتمذهبون بصبغ إمامهم وقائدهم ،