وتجدر الاشارة إلى أن المراد من قوله تعالى : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) ، وقوله بعثناكم ، المراد من كان في عصر موسى (ع) الذين قالوا له : (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) فلا يشمل الخطاب موسى ، ولا من لم يقل له ذلك .. وبالأولى أن لا يشمل حقيقة اليهود الذين كانوا في عهد محمد (ص) وانما وجه الخطاب اليهم تجوزا وتوسعا في الاستعمال بالنظر الى أنهم من نسل الذين قالوا : حتى نرى الله جهرة.
(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى). جرى ذلك حين خرج الاسرائيليون من مصر ، وتاهوا في صحراء سيناء ، حيث لا بنيان ولا عمران ، فشكوا الى موسى حر الشمس ، فأنعم الله عليهم بالغمام يظللهم ، ويقيهم حر الهاجرة ، وأنعم عليهم أيضا بالمنّ والسلوى ، يأكلون منهما بالاضافة الى ما تيسر لهم من الأطعمة ، ويأتي في تفسير الآية ٦٠ ان الماء تفجّر لهم من الحجر الذي ضربه موسى بعصاه.
وغريب أمر بعض المفسرين ، حيث يفسر من تلقائه ما سكت الله عن بيانه وتفسيره ، ويحصي عدد الذين قتلوا أنفسهم للتوبة من عبادة العجل ، يحصيهم بسبعين ألف نسمة ، كما أحصى عدد الذين أخذتهم الصاعقة بسبعين رجلا ، أما المنّ فلكل فرد صاع ، وأما السلوى فكانت تنزل من السماء حارّة يتصاعد منها البخار ، وما إلى ذلك مما لا نص قطعي ولا ظني يدل عليه ، ويبعّد ولا يقرب .. وقد ثبت عن الرسول الأعظم (ص) : ان الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا ، فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم.
وفي نهج البلاغة :
ان الله افترض عليكم الفرائض فلا تضيعوها ، وحدّ لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء ، ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها.
(وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). ونفي المظلومية عن الله سبحانه ، تماما كنفي الولد والشريك عنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع على حد تعبير أهل المنطق ، لأن الثبوت محال عقلا .. فهو أشبه بقولك عن الأعزب : انه لا ولد له ، وعمن يجهل اللغة العربية لم يؤلف فيها قاموسا .. أما ظلم اليهود لأنفسهم فلسفههم ، وجحودهم بأنعم الله الذي لا تنفعه طاعة من أطاع ، ولا