وقال الطبرسي في مجمعه ـ من الامامية ـ والرازي في تفسيره الكبير ـ من السنة قالا : ان الله سبحانه جعل توبتهم بنفس القتل ، بحيث لا تتم التوبة ، ولا تحصل إلا بقتل النفس ، لا انهم يتوبون أولا ، ثم يقتلون أنفسهم بعد التوبة.
ولهذا الحكم نظائره في الشريعة الاسلامية ، حيث اعتبرت القتل حدا وعقوبة على جريمة الارتداد ..
وتمضي الآيات في تعداد مساوئ الاسرائيليين : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً). حين جاءهم موسى بالتوراة قال له جماعة منهم : لا نصدقك في ان هذا الكتاب من عند الله ، حتى نرى الله عيانا لا حجاب بيننا وبينه ، ويخبرنا وجها لوجه انه أرسلك بهذا الكتاب.
ولست أدري ان كان الذين ينكرون وجود الله في هذا العصر ، لا لشيء إلا لأنهم لم يشاهدوه جهرة ، لست أدري : هل استند هؤلاء في انكارهم الى كفر أولئك الاسرائيليين وعنادهم؟.
قال اليهود لموسى : لن نؤمن حتى نرى الله جهرة .. وقال من قال في هذا العصر : لا وجود إلا لما نراه بالعين ، ونلمسه باليد ، ونشمه بالأنف ، ونأكله بالفم .. وهكذا يكرر التاريخ صورة المكابرة ومعاندة الحق في كل جيل.
(فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ). أي ان عذابا من السماء أحاط بالذين قالوا لموسى : لن نؤمن حتى نرى الله ، وأهلكهم على مرأى من أصحابهم الذين لم يعاندوا ، ويسألوا مثل ذلك.
(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). قال بعض المفسرين ، ومنهم الشيخ محمد عبده ، كما في تفسير المنار ، قالوا : ان الله سبحانه لم يرجعهم الى هذه الحياة ثانية بعد أن أخذتهم الصاعقة ، وان المراد ببعثهم كثرة النسل منهم.
وقال آخرون : كلا ، ان الآية على ظاهر دلالتها ، وان الذين أعيدوا هم الذين أخذتهم الصاعقة بالذات .. وهذا هو الحق ، حيث يجب الوقوف عند الظاهر إلا مع السبب الموجب للتأويل ، ولا سبب ما دامت الاعادة ممكنة في نظر العقل ، وقد وقع نظير ذلك لعزير ، كما دلت الآية ٢٥٩ من سورة البقرة : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ). وبديهة ان الذي وقع لا يكون مستحيلا.