صاحب التفسير ، عكسوا الآية ، فأوجبوا التقليد ، وحرّموا الاستدلال إلا على صحة التقليد فقط ، ومنعوا العمل بقول الله ورسوله ، وأوجبوا العمل بقال فلان ، وقال علان». كما عبر صاحب تفسير المنار.
(بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ). هذا تكذيب لدعواهم بأن الجنة لهم وحدهم دون الناس أجمعين ، والمراد بالوجه في الآية النفس والذات ، قال تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ). والمعنى ان كل من آمن بالله مخلصا له في أعماله إخلاصا لا يشوبه شرك ولا رياء فهو من المكرمين عند الله ، لأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا ، أما قوله سبحانه : «وهو محسن» فاشارة الى أن التقرب الى الله انما يكون بالعمل الصالح ، لا بالأعمال القبيحة الضارة ، لأن الله سبحانه لا يطاع من حيث يعصى.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ). قال صاحب مجمع البيان نقلا عن ابن عباس ان نصارى نجران تنازعوا مع اليهود عند رسول الله (ص) ، فقال رجل من اليهود للنصارى : ما أنتم على شيء ، فأجابه رجل من النصارى : ليست اليهود على شيء ، فنزلت هذه الآية ، تسجّل قول كل من الفريقين في حق الآخر.
الدين المصلحة عند اليهود والنصارى :
وبالمناسبة ، فان المعروف عن الدين المسيحي انه ينص صراحة على ان اليهود وأولادهم من بعدهم يتحملون مسؤولية صلب «الإله» .. ومع ذلك فان بابا روما بذل جهد المستميت عام ١٩٦٥ لتبرئة يهود الجيل الحالي والأجيال السابقة من تبعة صلب المسيح ، وعقد من أجل ذلك أربعة مؤتمرات ، واصطدم مع الكنيسة الشرقية ، وبلغت تكاليف المؤتمرات ٢٠ مليون دولار ، والهدف الأول والأخير سياسي بحت ، وهو تقوية «دولة إسرائيل» ، وتدعيم مركزها في فلسطين ، وسياستها في العالم .. وعلى الأصح تقوية الاستعمار ، وتدعيم قواعده في الشرق بعامة ، والبلاد العربية بخاصة .. وان دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الدين عند بعضهم ، منافع مادية ، وكفى (١).
__________________
(١) انظر فقرة : «المصلحة هي السبب لا الجنسية» عند تفسير الآية ٩٦ من هذه السورة.