(وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ). أي ان اليهود عندهم التوراة ، وهي تبشر بعيسى ، وتعترف بنبوته .. وأيضا النصارى عندهم الإنجيل يعترف بموسى وتوراته .. وعلى هذا يكون اليهود والنصارى في حكم الطائفة الواحدة ، لأن دينهم واحد ، وكل من التوراة والإنجيل جزء متمم للآخر ، ومع ذلك فقد كفّر بعضهم بعضا.
أيضا المسلمون يكفر بعضهم بعضا :
وإذا كان اليهود بحكم الطائفة الواحدة ، لأن التوراة تعترف بعيسى ، والإنجيل يعترف بموسى ، فبالأولى أن تكون السنة والشيعة طائفة واحدة حقيقة وواقعا ، لأن كتابهم واحد ، وهو القرآن ، لا قرءانان ، ونبيهم واحد ، وهو محمد ، لا محمدان ، فكيف ـ اذن كفّر بعض من الفريقين إخوانهم في الدين؟ .. ولو نظرنا الى هذه الآية (قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ ، وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) لو نظرنا اليها بالمعنى الذي بيناه ، واتفق عليه جميع المفسرين ، ثم قسنا من يرمي بالكفر أخاه المسلم ـ لو نظرنا الى الآية ، وقسنا هذا بمقياسها لكان أسوأ حالا ألف مرة من اليهود والنصارى .. لقد كفّر اليهود النصارى ، وكفّر النصارى اليهود ، (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) أي التوراة والإنجيل .. فكيف بالمسلم يكفّر أخاه المسلم ، وهو يتلو القرآن؟!. فليتق الله الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب ، وقلوبهم عمي عن معانيه ومراميه.
(كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ). المراد بالذين لا يعلمون في هذه الآية مشركو العرب ، حيث قالوا تماما كما قال اليهود والنصارى : انهم وحدهم يدخلون الجنة دون المسلمين والناس أجمعين.
وأجاب القرآن أولا : ما أجاب به اليهود والنصارى من ان الحق لا يتقيد بالأشخاص ، ولا بالأسماء والألقاب ، وان دخول الجنة منوط بالايمان والعمل الصالح. ثانيا : ان الله سبحانه يعلم المحق من المبطل ، وانه سيجزي كلا بأعماله. (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).