ما تعلم به عكسه علم اليقين. والحديث الذي اشار إليه نقله ابو المعالي الجويني بلفظ خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه ، وكذلك أورده نقيب البصرة كما يأتي وأرسله ابن حجر في الاصابة بلفظ خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ورواه صاحب اسد الغابة عن جعدة بن هبيرة المخزومي ورواه بعضهم عن جعدة ابن هبيرة الأشجعي كما في تهذيب التهذيب وغيره ، فهو مضطرب المتن والسند ولم تثبت صحته بل قد علم وضعه بمخالفته الوجدان فالعصور التي يقال فيها انها خير العصور انما يكون ذلك باعتبار أهلها وهي متساوية متماثلة دائما فيها الصالح والطالح من عهد آدم عليهالسلام الى يومنا هذا والغالب على أهلها الفساد والصالحون فيها افراد قلائل (وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) سواء في ذلك اوائلها وأواسطها وأواخرها ووجود انبياء وصلحاء في كل عصر لا يجعل الغالب على أهله الصلاح ولا يجعله خيرا من غيره.
وما احسن ما قاله بديع الزمان الهمذاني من جملة كتاب له الى احمد بن فارس : والشيخ يقول فسد الزمان أفلا يقول متى كان صالحا. أفي الدولة العباسية فقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها أم المدة المروانية وفي اخبارها (لا تكسع الشول باغبارها) (١) أم السنين الحربية :
والرمح يركز في الكلى |
|
والسيف يغمد في الطلى |
ومبيت حجر في الفلا |
|
والحرتين وكربلاء |
__________________
(١) هذا شطر بيت للحارث بن حلذة (بكسر الحاء وتشديد اللام المكررة) اليشكري قال :
لا تكسع الشول بأغبارها |
|
إنك لا تدري من الناتج |
قال الجوهري كسع الناقة اذا ضرب خلفها (بكسر الخاء وسكون اللام) بالماء البارد ليزاد اللبن في ظهرها وذلك اذا خاف عليها الجدب في العام القابل قال الحارث بن حلذة :
لا تكسع الشول بأغبارها |
|
انك لا تدري من الناتج |
والشول جمع شائلة على غير قياس وهي التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة اشهر فجف لبنها (والأغبار) جمع غبر كقفل واقفال وهو بقية اللبن في الضرع. يقول لا تغزر ابلك اي تترك حلبها وتطلب بذلك قوة نسلها واحلبها لأضيافك فلعل عدوا يغير عليها فيكون نتاجها له دونك وقال الخليل هذا مثل وتفسيره اذا نالت يدك من قوم شيئا بينك وبينهم احنة فلا تبق على شيء انك لا تدري ما يكون في الغد.