وكأنّ النبي يوم دخل المدينة ، وعرف أوضاعها قد تنبأ بذلك ، وحسب له فأراد أن يلقي الحجة عليهم ، ويأخذهم بأقوالهم .. فترفق بهم ، وتلطف معهم ، فأجرى عهدا بينه وبينهم ، موقعا منه ومنهم ، على ان لهم الحرية التامة في دينهم ، وأموالهم ومعابدهم آمنين عليها ، وعلى أنفسهم ، على شريطة أن لا يعينوا عليه عدوا ، وإذا اختاروا القتال معه فلهم نصيب من المغنم .. وعليهم أن يشتركوا مع المسلمين في الدفاع عن المدينة تحقيقا للوحدة الوطنية ، لأن البلد للجميع ، لا لفئة دون فئة .. ولكن سرعان ما نكثوا العهود ..
ومتى صمدت العهود والمواثيق أمام تهديد المصالح؟ وهل من المعقول أن يقوم تعايش سلمي بين الغش والتغرير ، وبين لا ضرر ولا ضرار ، وكيف يعيش الذئب والحمل تعايشا سلميا؟ وأي جدوى من التذكير بالنعم ، ومن التحذيرات والنصائح إذا اصطدمت مع المصالح الشخصية ، والصفقات التجارية؟.
جاء في كتاب محمد رسول الحرية : «أشار النبي (ص) على التجار المسلمين أن ينشئوا سوقا جديدة في المدينة .. فأنشأوها ، ونشطت المعاملات فيها ، وأقبل التجار الغرباء عليها ، وآثروها على سوق اليهود ، لأن قواعد التعامل فيها كانت أكثر عدلا ، وأوفر ضمانا للبائع والمشتري».
وهذا وحده كاف لأن يملأ قلوب اليهود حقدا وغيظا على محمد ، ويحملهم على نقض العهد ، والانتقام منه ومن الإسلام بكل سبيل.
المعنى :
ابتدأ الله سبحانه خطابه مع اليهود بالتذكير بنعمه عليهم .. ومن هذه النعم كثرة الأنبياء فيهم ، وتشريفهم بالتوراة والزبور ، وتحريرهم من فرعون ، ونجاتهم من الغرق ، وانزال المن والسلوى عليهم ، واعطاؤهم الملك والسلطان في عهد سليمان ، وغير ذلك مما يستوجب الإيمان والشكر ، لا الجحود والكفر.
وتسأل : ان الخطاب موجه بظاهره الى يهود المدينة ، مع العلم بأن النعم المشار اليها منحها الله لآبائهم ، لا لهم؟.