بمعناها الشرعي ، كما هو الشأن في القاضي والمفتي وامام الجماعة في الصلاة ، لأن الغرض من كتابة الدّين ضمان الحق وصيانته ، كما أشرنا ، ويكفي لذلك أن يكون الكاتب عادلا في هذه الجهة فقط ، لا في جميع أقواله وأفعاله .. ومن هنا يمكن القول بأن هذه الآية تشعر بأن الشاهد لا يشترط فيه العدالة الشرعية ، بل يكفي الثقة بكونه صادقا وعادلا في شهادته ، لم يتحيز فيها لأحد المتخاصمين ، ونحمل عدالة الشاهد التي وردت في الأخبار على العدالة النسبية ، دون العدالة المطلقة.
وان قال قائل : ان إعطاء حكم كاتب الدين للشاهد قياس ، وأنت من القائلين ببطلانه؟.
قلنا في جوابه : ان كاتب الدين شاهد على من أملى عليه الدين ، وان لم يسمّ شاهدا عند العرف ، وبكلمة ان للشاهد فردين لافظا وكاتبا ، هذا يشهد بالكلام المكتوب ، وذاك يشهد بالكلام الملفوظ ، والكتابة أخت اللفظ.
(وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ). المراد بعلمه الله أمره والمأمور به الكتابة بالعدل ، ومن غير تحيز ، وقوله : (فَلْيَكْتُبْ) تأكيد لقوله : (لا يَأْبَ). وسر هذا التأكيد ان الذين يحسنون الكتابة آنذاك كانوا قلة ، فإذا ما امتنع الكاتب تعذر الاستعانة بغيره.
وتسأل : ان قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ) نهي ، والنهي يدل على التحريم ، ومعنى هذا ان الكاتب يجب عليه أن يلبي إذا دعي الى كتابة الدين ، مع العلم بأن هذه الكتابة ندب لا فرض ، فكيف زاد الفرع على الأصل؟.
الجواب : كما حملنا قوله تعالى : (فَاكْتُبُوهُ) على الاستحباب دون الوجوب نحمل قوله : (لا يَأْبَ) على الكراهة دون التحريم .. اللهم الا إذا تيقن المدعو الى الكتابة بأن امتناعه سبب تام للفساد ، ووقوع المتخاصمين في الحرام .. فعندها يحرم عليه أن يمتنع ، ولكن من باب دفع الفساد ، لا من باب وجوب كتابة الدين.
(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً). يملل ، أي يملي ، والذي عليه الحق هو المديون ، والضمير في منه يعود على الدين ،