المعنى :
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ). سبق في الآية ٢٦ من هذه السورة ان الهدى يطلق على معان : منها الهدى بالبيان والإرشاد ، وهذا وظيفة النبي ، ومنها التوفيق من الله الى عمل الخير بتمهيد السبيل اليه ، ومنها الاهتداء ، أي تقبّل النصيحة والعمل بها ، وهذا يسند الى العبد ، ومنها الثواب ، ومنها الحكم على العبد بالهداية ..
ومعنى الهدى في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) الاهتداء وقبول النصح أي ليس عليك أن يعملوا بالحق ، وانما عليك إبلاغ الحق ، وكفى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) ـ الرعد ٤٠». ومعنى الهدى في قوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) التوفيق الى طريق الخير.
وقيل في سبب نزول قوله : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) : ان المسلمين كانوا لا يتصدقون إلا على أهل دينهم ، فخاطب الله نبيه بهذه الآية ، وأراد بها جميع المسلمين مبينا لهم ان الكافر لا يعاقب على كفره في هذه الحياة بمنع الرزق عنه ، والتضييق عليه كي يضطر الى الايمان .. وليس لأحد أن يعامله بذلك ، حتى ولو كان رسولا من عند الله : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ـ يونس ٩٩».
وتدل الآية ان الصدقة على غير المسلم جائزة ، فرضا كانت أو ندبا ، ولكن قول النبي (ص) : «أمرت ان آخذ الصدقة من أغنيائكم ، وأردها على فقرائكم». ان هذا الحديث يخصص الآية بصدقة الندب ، دون الفرض.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ). ربما توهم متوهم ان في الإنفاق خسارة له ، وحرمانا لأهله وعياله ، فدفع الله هذا الوهم بأنه يعود على المنفق بالخير والنفع دنيا وآخرة ، أما في الآخرة فالأجر والثواب ، وأما في الدنيا فقال الشيخ محمد عبده : «ان الإنفاق يكف شر الفقراء عن الأغنياء ، لأن الفقراء إذا ضاق بهم الأمر يندفعون على أهل الثروة بالسرقة والإيذاء والنهب ، ثم يسري شرهم الى غيرهم ، وربما صار فسادا عاما يذهب بالأمن والراحة».
ولا أدري هل استوحى الشيخ محمد عبده قوله هذا من النقابات العمالية التي