تفرق الناس شيعا وأحزابا متناحرة .. ولكن السؤال لم يقع عن هؤلاء ومن اليهم بل عن تخليد من هو دونهم بمراتب ومراتب.
وتقول : وما ذا تصنع بنصوص القرآن والسنة النبوية على التخليد بالنار؟.
وأجيب : لا شيء منها يرفض التأويل ويأباه.
وتقول ثانية : كل ما جاء به النص ، وكان الأخذ به ممكنا يجب بقاؤه على ظاهره ، وتخليد بعض العصاة في النار ليس محالا في ذاته؟
وأقول : أجل ، ولكن حمل الخلود على طول الأمد ، دون الأبد جمعا بين النص ، وبين أدلة الرحمة لا تأباه الصناعة ، ولا يرفضه الشرع والعقل.
وتقول مرة ثالثة : ان الفقهاء لا يرتضون هذا الجواب ، لأنهم لا يجيزون حمل اللفظ على غير ظاهره الا بأسباب ثلاثة : قرينة عرفية ، كحمل العام على الخاص ، أو شرعية ، كالنقل الصريح الثابت عن المعصوم ، أو عقلية لا تقبل احتمال الخلاف ، ولا شيء منها فيما نحن فيه.
الجواب أولا : أحسب ان الفقهاء الذين اطلعوا على أدلة رحمة الله تعالى يوافقونني على انها تصلح لصرف أدلة الخلود في النار عن ظاهرها بالنسبة الى بعض العصاة .. ومن تلك الأدلة الحديث القدسي : سبقت رحمتي غضبي ، والحديث الشريف : ان الشفعاء يوم القيامة كثيرون ، وآخر من يشفع هو أرحم الراحمين .. وان الله ينشر رحمته يوم القيامة ، حتى يطمع بها إبليس ، ويمتد لها عنقه .. وفي بعض الروايات : ان الحسن البصري قال : ليس العجب ممن هلك كيف هلك ، ولكن العجب ممن نجا كيف نجا ، فقال الإمام زين العابدين (ع) : أما أنا فأقول : ليس العجب ممن نجا كيف نجا ، وانما العجب ممن هلك كيف هلك ، مع سعة رحمة الله. فإذا عطفنا هذه الروايات على الآية ٥٣ من سورة الزمر : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً). إذا عطفنا روايات الرحمة على هذه الآية تشكل لدينا قرينة قطعية على صرف أدلة الخلود في النار عن ظاهرها واختصاصها ببعض العصاة.
ثانيا : نحن نتكلم في الأمور العقائدية القطعية ، لا في المسائل الفرعية الظنية ، والفقهاء على ورعهم وقوة ايمانهم فإنهم علماء بأحكام الله الشرعية ، لا بالأمور العقائدية ، بل ان الكثير منهم بمنزلة المقلدين فيما يعود الى صفات الله وأفعاله ،