وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ). روي ان طالوت قال لبني إسرائيل : لا يخرج معي الى الجهاد شيخ ولا مريض ، ولا من بنى بناء لم يفرغ منه ، ولا صاحب تجارة مشتغل بها ، ولا رجل تزوج امرأة لم يبن بها ، فاجتمع جماعة ممن وصف ، وكان الوقت قيظا شديد الحر ، وسلكوا مفازة لا ماء فيها ، ولما شكوا قلة الماء قال طالوت لهم : الله سيختبر حالكم في الطاعة والمعصية بنهر تمرون عليه ، فمن شرب منه فليس من أشياعي المؤمنين الا أن يتناول قليلا ، وهو غرفة تؤخذ باليد. (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ). قيل : كان عدد هؤلاء المؤمنين ٣١٣ على عدد أهل بدر .. ولقد كان ، وما زال ، ولن يزال الطيبون المخلصون أندر من كل نادر.
(فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ). سار طالوت هو والذين أطاعوه فيما ندبهم اليه بعد أن تخطوا النهر ، حتى التقوا بجالوت وجنوده ، ولما شاهدوا كثرة عدوهم انقسموا فريقين : فريق قال : لا طاقة لنا بمحاربتهم ، وفريق قال : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) الذين ثبتوا وجاهدوا وضحوا من أجل حياة أفضل ، وهي أن يعيشوا أحرارا في وطن حر ، ومكتفين في مجتمع لا جائع فيه ، وعلماء في بلد العلم والحضارة ، أما الصبر على الذلة والمسكنة فانه رجس من عمل الشيطان.
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ). لما رأى المؤمنون القلة في جانبهم ، والكثرة في جانب عدوهم لجأوا اليه سبحانه داعين متضرعين بإخلاص ، فاستجاب لهم (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) ونصر الله المؤمنين على الكافرين ، وحقق بفضله ورحمته ظن من قال : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ).
(وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ). أي ان الله سبحانه منح داود الملك ، لأنه تولى منصب طالوت بعد وفاته ، والحكمة اشارة الى الزبور ، قال تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) ـ النساء ١٦٣». وعلمه صنع الدروع ، قال تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) ـ الأنبياء ٨٠».
(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ