(وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ). الحرث الزرع ، والنسل ما تناسل من الحيوان ، والمراد بهما جميع المصالح الاقتصادية من زرع وصناعة وماشية ، ومواد أولية ، وما اليها مما يتصل بحياة الناس ومعيشتهم ، وانما خص الزرع والماشية بالذكر ، حيث لم يكن للصناعة وتوابعها أهميتها وخطرها آنذاك كما لها اليوم.
وحرمة هذه المقدرات في نظر الإسلام ، تماما كحرمة الدماء ، ومن اعتدى على شيء منها فقد اعتدى على الانسانية نفسها ، حتى ولو كان ذلك ملكا للعدو المحارب ، فلقد نهى رسول الله (ص) عن قطع الأشجار ، والتعرض للزرع والعمار ، وعن إلقاء السموم في بلاد المشركين ايام الحرب وغيرها .. ولو قارنّا بين شريعة الإسلام ، وبين ما تفعله الدول الاستعمارية «المتحضرة!» اليوم ، وما تشنه من الحروب الكيماوية على ما تنبته الأرض من زرع وأشجار ، ويدب عليها من انسان وحيوان ، ومن تسميم الجو بالقنابل الذرية ، والقائها على النساء والأطفال ، لو قارنّا بينهما لعرفنا انسانية الإسلام وعدالته ورحمته ، وتوحش الغرب ، وافراطه في الظلم والاغتصاب.
(وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ). ولا شيء أعظم فسادا من اثارة الحروب ، واستعمال الأسلحة المدمرة ضد الشعوب للسيطرة عليها ، ونهب أقواتها ، وحرمان أهلها من ثمار كدحهم وعرقهم.
(وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ). ان الطيب المخلص يتقبل النقد والنصح ، بل يطلبه ويرحب به ، لأنه لا يهدف الا الى الحق والواقع ، ولا يطلب المديح والاطراء ، لأن عمله لله ، لا للسمعة والشهرة ، قال الإمام أمير المؤمنين علي (ع) في كلام يصف به المتقين : «لا يرضون من أعمالهم القليل ، ولا يستكثرون الكثير ، فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون». وقال في خطبة له ايام خلافته : «ليس امرؤ وان عظمت في الحق منزلته ، وتقدمت في الدين فضيلته بفوق أن يعاون على ما حمله الله من حقه ، ولا امرؤ وان صغّرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه .. ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فانه من استثقل الحق ان يقال له ، أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه».
هذا هو شأن العالم المخلص حقا ، أما المنافق الخائن فيصعب عليه قول الحق ،