ـ كما جاء في التفاسير ـ : لو أرسل الله نبيا لكان منا لا من العرب ، أما صناديد قريش فقالوا : لو أرسله من العرب لاختاره من الطبقة الثرية القوية ، كما أشارت الآية ٣١ من الزخرف : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (١). والآية ٨ من الفرقان : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها).
وكل شيء يقبل الخصام والحجاج ، حتى وجود الله الا شيئا واحدا فانه لا يقبل النقاش أبدا عند المعترفين بوجود الله ، ألا وهو تخصيص رحمة الله وانعامه على فرد دون فرد : «أم يقسمون رحمة ربك» .. ولذا أمر الله نبيه محمدا (ص) أن يقول للذين استنكروا انعام الله عليه بالنبوة أن يقول لهم : أتحاجوننا في الله ، وأنتم تعلمون انه تعالى أعلم بمن يصلح للرسالة ، وبمن لا يصلح لها ، فلا تعترضوا على ربكم .. وان علينا وعليكم التسليم لحكمه ، لا المجادلة في ارادته واختياره ، وهذا معنى قوله تعالى : (هُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ).
(لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ). هذا تماما كقوله سبحانه : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين). أي ان خصامكم في اختيار الله وانعامه عليّ تعود آثاره عليكم وحدكم ، تماما كما يعود ضرر الكفر على الكافر ، ونفع الايمان على المؤمن. (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) من دونكم ، لأنكم تتحكمون على الله ، وتريدونه أن ينزل على رغبتكم ، أما نحن فنفوّض الأمر كلّه اليه ، ونستسلم لحكمه.
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى. هذا عطف على أتحاجوننا في الله ، والمعنى بأي الأمرين تتشبثون؟. أفي قولكم بأن الله لا يرسل من العرب نبيا ، أم بدين ابراهيم وبنيه وحفدته؟. فان تشبثتم بالأول فان الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وان تشبثتم بالثاني فان ابراهيم كان حنيفا مسلما لا يهوديا ولا نصرانيا ، لأن اليهودية والنصرانية حدثتا بعده وبعد بنيه والأسباط .. فعلى كلا التقديرين قولكم باطل لا مبرر له .. ويرشدنا القرآن في هذه المحاورة الى الأسلوب الذي ينبغي أن نتبعه مع الخصم ، وان نعتمد في حصاره وافحامه على منطق العقل الذي يقتنع به ويتسالم عليه جميع العقلاء.
__________________
(١) المراد بالقريتين مكة والطائف ، والرجل الذي عنوه في مكة الوليد بن المغيرة ، وفي الطائف عروة بن مسعود.