وأيضا لم أشغل نفسي والقارئ بذكر العلاقة والمناسبة بين الآيات واتصال بعضها ببعض ، كما فعل المفسرون ، لأن القرآن لم يوح الى النبي (ص) جملة واحدة ، وانما نزل منجما بين وقت يتابع أحيانا ، ويبطئ أحيانا أخرى ، ولم ترتب السور والآيات في القرآن الذي نقرأه حسب نزولها. قال أحد العارفين بترتيب القرآن وبلاغته :
«رتب القرآن ـ كما هو بين أيدينا ـ سورا منذ أيام النبي (ص) ، وقدمت في المصحف طوال السور على أوساطها وأوساطها على قصارها ، ولم يراع في هذا الترتيب نزول السور والآيات في مكة أو المدينة ، ولا تاريخ نزول الآيات. ونحن نجد البقرة وآل عمران والمائدة في أول المصحف بعد الفاتحة ، مع انها مدنية .. وربما وجدنا في السورة المدنية آيات نزلت بمكة ، وفي السورة المكية آيات نزلت بالمدينة».
ونقل صاحب تفسير المنار عن استاذه الشيخ محمد عبده في الجزء الثاني ص ٤٥١ طبعة ثانية انه قال :
«ليس القرآن كتابا فنيا ، فيكون لكل مقصد من مقاصده باب خاص به ، وانما هو كتاب هداية ووعظ ، ينتقل بالإنسان من شأن من شئونه الى آخر ، ويعود الى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة ، مع التفنن بالعبارة ، والتنوع في البيان ، حتى لا يمل تاليه وسامعه من المواظبة على الاهتداء».
٤ ـ اعتمدت ـ قبل كل شيء ـ في تفسير الآية وبيان المراد منها ـ على حديث ثبت في سنة الرسول (ص) ، لأنها ترجمان القرآن ، والسبيل الى معرفة معانيه : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ. وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ـ الحشر ٧». فإذا لم يكن حديث من السنة اعتمدت ظاهر الآية ، وسياقها ، لأن المتكلم الحكيم يعتمد في بيان مراده على ما يفهمه المخاطب من دلالة الظاهر ، كما ان المخاطب بدوره يأخذ بهذا الظاهر ، حتى يثبت العكس.
وإذا وردت آية ثانية في معنى الأولى ، وكانت أبين وأوضح ذكرتهما معا ، لغاية التوضيح ، لأن مصدر القرآن واحد ، ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض.
وإذا تعارض ظاهر اللفظ مع حكم العقل وبداهته اوّلت اللفظ بما يتفق مع العقل باعتباره الدليل والحجة على وجوب العمل بالنقل.