الله العقيدة الصحيحة ، والعمل الصالح ، فمفاد الآية ما جاء في الأخبار من ان الله لا ينظر الى الصور ، وانما ينظر الى الأعمال.
وليس من شك ان هذا المعنى صحيح في نفسه ، ولكن اللفظ لا يعطيه صراحة .. وقد دأب البعض أن يتملق الى أهل الأديان الأخرى مستدلا بهذه الآية على انه لا فرق بين المسلمين وغيرهم عند الله ، وهو يعلم علم اليقين بأنهم ينكرون نبوة محمد (ص). بل ويفترون عليه الأكاذيب ، وينسبون اليه ما يهتز منه العرش.
المعنى الثاني : ان أفرادا لم يدركوا محمدا (ص) ، ومع ذلك قد اهتدوا بصفاء فطرتهم الى الايمان بالله ، وتركوا المحرمات ، كالكذب وشرب الخمر والزنا ، ومن هؤلاء قس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو ، وورقة بن نوفل ، وغيرهم ، ويسمون الحنيفيين ، وكأنّ سائلا يسأل عن حكم هؤلاء عند الله. فأجابت الآية بأن هؤلاء لا بأس عليهم ، وكذلك اليهود والصابئة والنصارى الذين لم يدركوا محمدا (ص) ، كي يأخذوا عنه التفاصيل ، انهم جميعا لا خوف عليهم ، ما داموا على الإيمان بالله واليوم الآخر ، والعمل الصالح .. ونحن نميل الى هذا المعنى.
وتسأل : ان المعنى الظاهر من هذه الآية أشبه بتحصيل الحاصل ، لأن قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بعد قوله : ان الذين آمنوا ، يجعل الكلام هكذا : ان الذين آمنوا من آمن منهم ، وهذا تماما كقول القائل : ان المسلمين من أسلم منهم ، والقائمين من قام منهم .. فما هو الجواب؟
وجوابه : ان هذا التساؤل انما يتجه إذا أعربنا من من قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) .. إذا أعربناها مبتدأ. أما إذا جعلناها بدلا من الأصناف الثلاثة فقط ، أعني اليهود والصابئة والنصارى فيسقط التساؤل من أساسه ، حيث يكون المعنى على هذا : ان الذين آمنوا بالله من غير اليهود والصابئة والنصارى لا خوف عليهم ، وكذلك من آمن من هذه الأصناف الثلاثة لا خوف عليهم ، فحكم الجميع واحد.