(وَقُولُوا حِطَّةٌ). بعد أن أمرهم الله سبحانه أن يدخلوا بخضوع وخشوع أيضا أمرهم أن يقرنوا الخشوع بقول التضرع والتذلل مثل نستغفر الله ، ونسأله التوبة ، ليحصل التوافق والتلاؤم بين القول والفعل ، تماما كما تقول في ركوعك : «سبحان ربي العظيم». وفي سجودك : «سبحان ربي الأعلى».
وليس من الضروري أن يتلفظوا بلفظ (حطة) بالذات وعلى سبيل التعبد ، كما قال كثير من المفسرين ، ولا أن يكون المراد من حطة العمل الذي يحط الذنوب كما في تفسير المنار نقلا عن محمد عبده ، حيث قال : ان الله لم يكلّفهم بالتلفظ ، إذ لا شيء أيسر على الإنسان منه.
ويلاحظ بأن الله قد كلف عباده بالكلام والتلفظ في الصلاة ، وأعمال الحج ، وفي الأمر بالمعروف ، ورد التحية ، وأداء الشهادة ، بل وبإخراج الحروف من مخارجها في بعض الموارد.
(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ). أي انهم أمروا أن يقولوا ما يستحقون به العفو والصفح والثواب ، ولكنهم خالفوا وقالوا ما يستوجبون عليه المؤاخذة والعقاب.
وقد استلفت انتباهي ان بعض المفسرين الكبار ، ومنهم الفيلسوفان : الرازي والملا صدرا ، قد تعرضوا هنا الى مسألة الوقوف على لفظ الادعية والاذكار المأثورة ، وانه هل يجب الجمود عليها حرفيا ، أو يجوز ابدال لفظ بلفظ مع المحافظة على المعنى ، ولم يتعرضوا ، وهم يفسرون قوله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) الى من اتخذ الدين سلعة للكسب والربح ، مع العلم بأن هؤلاء أمناء على دين الله ، وانهم قد خانوا الأمانة ، وحرّفوا الآيات والروايات ، تماما كما فعل الاسرائيليون.
(فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ). تقدم ان المراد بالرجز العذاب .. وقد سكت الله سبحانه عن نوع العذاب وحقيقته ، ولم يبين لنا : هل هو الطاعون ، كما قال البعض ، أو الثلج كما ذهب آخرون .. وأيضا سكت عن عدد الذين هلكوا بهذا العذاب : هل هم سبعون ألفا ، أو أكثر ، أو أقل؟ وعن أمد العذاب ومدته : هل هي ساعة أو يوم؟ لذلك نسكت نحن عما سكت الله عنه ، ولا نتكلف بيانه كما تكلفه غيرنا اعتمادا عن قول ضعيف ، أو رواية متروكة.