قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التّفسير الكاشف [ ج ١ ]

التّفسير الكاشف [ ج ١ ]

44/467
*

٤ ـ أن لا يتلقى معلوماته من الحس ، أو التجربة ، أو القوة العقلية ، بل يتلقاها مباشرة وبلا واسطة. وذلك بعد جهاد النفس لتنقيتها من الشوائب كما يقول المتصوفة .. وبكلمة أوضح ان القلب عند المتصوفة تماما كالعقل عند غيرهم فكما ان العقل يدرك بعض الأشياء بالبديهة ، ومن غير نظر ، والبعض يدركه بالاجتهاد والنظر كذلك القلب ، فانه يشعر بأشياء من غير حاجة الى جهاد النفس ، كشعوره بالحب والبغض والبعض يشعر به بعد جهاد النفس ، كوجود الباري وصفاته ، فالاجتهاد العقلي عندنا يقابله جهاد النفس عند المتصوفة.

ولا أحد يستطيع أن يناقش الصوفي في آرائه ومعتقداته ، لأنك إذا سألته عن الدليل يجيبك بأن ايماني وعلمي ينبع من ذاتي وحدها .. وإذا قلت له : ولما ذا لا ينبع هذا الإيمان ، وهذا العلم من ذوات الناس ، كل الناس؟ يقول : لأنهم لم يمروا بالتجربة الروحية التي مررت بها.

ونحن نقف من هذا التصوف موقف المحايد المتحفظ ، فلا نثبته ، لبعده عما عرفنا وألفنا ، ولا ننفيه ، لأن المئات من العلماء في كل عصر ، حتى في عصرنا هذا يؤمنون بالتصوف على تفوقهم ، واختلافهم في الجنس والدين والوطن واللغة ، وليست لدينا أية حجة تنفي التجارب الشخصية البحتة ، ومن الجائز أن تكون تجربة الصوفي أشبه شيء باللحظات التي يلهم فيها الشاعر والفنان ، ولكن هذا شيء يعنيه وحده ، ولا حجة له فيه على غيره ، حيث لا ضابط له ، ولا رابط.

الغيب :

وهناك أشياء لا وسيلة الى معرفتها بالحس والتجربة والقوة العقلية ، منها : اللوح المحفوظ والملائكة ، وإبليس ، وحساب القبر ، والجنة والنار. ومنها : انقلاب العصا حية ، واحياء الموتى ، وما الى ذلك مما اخبر به النبي ، ولا يستقل العقل بادراكه ، ولم نره نحن بالعين ، كل ذلك هو المقصود بالغيب في قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ). فالغيب هو الذي لا يمكن التوصل الى معرفته الا بالوحي من السماء على لسان من ثبتت نبوته وصدقه بالعقل : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ