وأمّا متن الحديث الثاني : فهو كما ترىٰ لا يخلو من إجمال ، وإن كان مصرّحاً بالسؤر ، فيمكن حمل الفضل علىٰ السؤر ، ويرجع الحال إلىٰ بيان السؤر ، وقد ذكرنا الإشكال في ذلك .
ووجه الإجمال في الحديث أنّ الجنب ، ظاهر الحديث عدم الكراهة فيه ، سواء كان مأموناً أو لا ، رجلاً أو امرأة .
وقد يحتمل أن يكون المراد بالجنب المرأة ، وقوله : « إذا كانت مأمونة » قيداً لهما ، ويدل عليه ذكر اغتسال عائشة مع النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وحينئذٍ يدل الحديث علىٰ أنّ السؤر ما باشره جسم الحيوان .
وربما يستفاد من ظاهر العلّة الشمول للرجل ، ويتحقق أنّ المراد بالسؤر المبحوث عنه في كلام الأصحاب ذلك ، وإن صرح البعض بأنّ المراد به ما باشره الفم (١) .
وقال شيخنا ـ قدسسره ـ : إنّ الأظهر في تعريفه ما باشره فم حيوان ، واعترض علىٰ من عرّفه بأنّه ما باشره الجسم : بأنّه مخالف لما نصّ عليه أهل اللغة ، ودل عليه العرف العام ، بل والخاص أيضاً كما يعلم من تتبّع الأخبار وكلام الأصحاب ، وبأنّ الوجه الذي لأجله جعل السؤر قسيماً للمطلق ـ مع كونه قسماً منه ـ وقوع الخلاف في نجاسة بعضه من طاهر العين (٢) . انتهىٰ .
وقد يقال : إنّ ما ذكره من كلام الأصحاب محلّ تأمّل ؛ لتصريح بعضهم بأنّ السؤر ما باشره جسم حيوان (٣) . وما ذكره من العلّة له وجه ، إلّا أنّه لا يقتضي
__________________
(١) كما في معالم الفقه : ١٤٧ .
(٢) مدارك الأحكام ١ : ١٢٨ ـ ١٢٩ .
(٣) كالشهيد الثاني في الروضة البهية ١ : ٤٦ .