حكى ابن ابي الحديد في شرح النهج عن نقيب البصرة يحيى بن زيد العلوي انه جرى في مجلسه ذكر هذه المسألة فذكر بعض الشافعية ـ فيما ذكر ـ هذا الحديث فأتى النقيب برسالة قال انها لبعض الزيدية ـ والمظنون انها للنقيب ـ : وفيها : وأما حديث خيركم القرن الذي أنا فيه الخ ، فمما يدل على بطلانه ان القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا قتل فيه الحسين وأوقع بالمدينة وحوصرت مكة ونقضت الكعبة وشرب خلفاؤه الخمور وارتكبوا الفجور كما جرى ليزيد بن معاوية ويزيد بن عاتكة والوليد بن يزيد وأريقت الدماء الحرام وقتل المسلمون وسبي الحريم واستعبد ابناء المهاجرين والانصار ونقش على ايديهم كما ينقش على ايدي الروم وذلك في خلافة عبد الملك وإمرة الحجاج. قال واذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها ولا في رءوسها وأمرائها والناس برؤسائهم وامرائهم والقرن خمسون سنة فكيف يصح هذا الخبر وانما هذا وامثاله من موضوعات متعصبة الأموية فإن لهم من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث اذا عجز عن نصرهم بالسيف ا ه. وقرن الخلافة الراشدة كان قرن الفتن والحروب بين المسلمين قتل فيه الخلفاء الثلاثة ووقع فيه حروب الجمل وصفين والنهروان وما تبعها من فتن ومفاسد فكيف يكون من خير القرون اللهم إلا ان نعمي على انفسنا ونقول ان تلك الحروب والفتن كانت في سبيل مصلحة المسلمين ورقيهم وان القاتل والمقتول في الجنة لأنهما مجتهدان مثابان. ومن عنده أقل تمييز وأنصاف يعلم انه لو لا تلك الحروب والفتن بين المسلمين لفتحوا جميع المعمورة. ومر في الفصل الذي قبله ما له علاقة بالمقام.
وأما دعواه انه لا تفاضل بين القرون الثلاثة فيرده انه لو ثبت الحديث لكان ظاهرا في التفاضل لمكان ثم. ولكان معارضا لحديث أمتي كالمطر الذي ادعى ثبوته. وليس بثابت ـ بل الظاهر انه من الموضوعات ومن سنخ الحديث الآخر وعلى غراره قصد بوضعه التمويه لا رضاء بعض المتسلطين ليمكن ان يقال فيهم انهم خير ممن قبلهم أو من قبلهم ليسوا خيرا منهم. والتأويل الذي ذكره بأن المراد في سعة الارزاق واتساع البلاد والدولة ـ مع انه لا دليل عليه ـ هو بعيد عن لفظ الحديث لأنه يقول لا يدري أي الأمة خير لا أي أعصارها.
وأما آية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) فلا يمكن حملها على