أهل البيت عليهم السلام لم يدخلوا الشام أُسارى لما انكشفت لهم الحقيقة ولبقوا مخدوعين حتّى اليوم.
وعلى أيّة حال ، فقد ظنّ يزيد اللعين أنّه ـ وحسب الظاهر ـ انتصر على سيّد الشهداء عليه السلام بعد قتله إيّاه وسبي ذرّيته إلى الشام وأنّ الأُمور ستسقرّ له ويصفو له الجو بحيث يبقى هو وأحفاده رغيدي العيش مرتاحين البال يتنعّمون في ملكهم.
ولم يعلم ذلك الطاغية أنّ المنتصر الحقيقي هو سيّد الشهداء عليه السلام ، ولذا فإنّه لم تنقض مدّة بسيطة حتّى ذهب ملكه وضاع سلطانه وبقي لعنه في التاريخ حتّى أنّ ابنه معاوية ارتقى المنبر يوماً في نفس الشام وتبّرأ من أفعاله السيّئة التي سوّد بها صفحات التاريخ.
نعم ، فقد استرّ يزيد في بادئ الأمر بقتل سيّد الشهداء عليه السلام وبعث خلف ابن زياد اللعين وأكرمه بالهدايا والعطايا الجزيلة إلّا أنّ هذه الفرحة لم تدم طويلاً حتّى انقلبت إلى أحزان وآهات.
فقد نقل المحدّث القمّي في كتابه نفس المهموم فقال : أقول : يظهر لمن تأمّل أفعال يزيد وأقواله أنّه لما جيء برأس الحسين عليه السلام وأهل بيته سرّ بذلك غاية السرور ، ففعل ما فعل مع الرأس الشريف وقال ما قال وحبس علياً بن الحسين عليه السلام وسائر أهل بيته في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ حتّى تقشّرت وجوههم (١) ، فلمّا عرفهم الناس واطّلعوا على جلالتهم وأنّهم مظلومون ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله كرهوا فعل يزيد بل لعنوه وسبّوه وأقبلوا على أهل البيت عليهم السلام ، فلمّا اطّلع يزيد على ذلك أراد أن يفرغ ذمّته من دم الحسين عليه السلام ، فنسب قتله إلى ابن زياد ولعنه بفعله ذلك وأظهر الندم على قتله عليه السلام وغيّر
__________________
(١) ربما يتصوّر البعض من هذه العبارة أنّ أهل البيت عليهم السلام بقوا مدّة طويلة في خرابة الشام حتّى تقشّرت جلودهم ، والحال أنّ هذا ليس بصحيح إذ أنّ جلودهم تقشّرت على أثر السير تحت الهجير في الصحاري عندما ساقوهم أُسارى في الصحاري بحيث أنّهم لمّا أُودعوا في خرابة الشام تساقطت جلودهم.